وقال أبو العباس القرطبيّ -رحمه الله-: ويجوز أن يكون هذا العرض على الروح وحدها، ويجوز أن يكون عليها مع جزء من البدن، والله أعلم بحقيقة الحال. قال وليّ الدين: ظاهر الحديث عرض هذا على جملته، ولا مانع من إعادة الروح إلى الجسد، أو إلى البعض الذي يدرك منه حالة العرض.
فإن قلت: وهل في القبر غداة وعشيّ، وليلٌ ونهار؟.
قلت: المراد: في وقت الغداة والعشيّ عند الأحياء، ويَحْتمل أن يمثّل له وقت الغداة والعشيّ في حال عرض المقعد عليه، وقد ورد في سؤال الملَكين أنه يُمثّل له وقت صلاة العصر، ودنوّ الشمس للغروب.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاستشكال من أصله فيه إشكال، فأين النصوص التي تنفي الغداة والعشيّ، والليل والنهار عن أهل القبور، حتى نستشكل؟ بل ظواهر النصوص على إثبات ذلك، فلا داعي إلى ردّ مثل هذا الاستشكال الذي لا ينبني على دليل صحيح. فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: وحَكَى ابن بطال عن بعض أهل بلدهم أن معنى العَرْض هنا: الإخبار بأن هذا موضع أعمالكم، والجزاء لها عند الله تعالى، قال: وأريد بالتكرير بالغداة والعشيّ تذكارهم بذلك، قال: ولسنا نشكّ أن الأجساد بعد الموت، والمسألة هي في الذهاب، وأكل التراب لها، والفناء، ولا يُعرَض شيء على فانٍ، فبان أن العرض الذي يدوم إلى يوم القيامة إنما هو على الروح خاصّة، وذلك أن الأرواح لا تفنى، وهي باقية إلى أن يصير العباد إلى الجنة، أو النار. انتهى.
قال وليّ الدين -رحمه الله-: وما ذكره أولًا من أن معنى العَرْض هنا الإخبار قد يقتضي عدم معاينة المقعد حقيقةً، وهذا خلاف ظاهر اللفظ، ولا مانع من حَمْل الحديث، والآية على ظاهرهما، وإذا لم يَصرِف عن الظاهر صارِف فالإيمان به واجبٌ، وما ذكره من أن العرض على الأرواح خاصّة هو أحد احتمالَي القرطبيّ، وظاهر الحديث خلافه، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما دلّ عليه ظواهر النصوص هو