للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الداوديّ: الظاهر أنه إنما أراد أن يكون فيها قاعدًا، وحَكَى ابن التين عنه أن الظاهر أن المراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها؛ يعني: أن بعضهم في ذلك أشدّ من بعض، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها، بحيث يكون سببًا لإثارتها، ثم من يكون قائمًا بأسبابها، وهو الماشي، ثم من يكون مباشرًا لها، وهو القائم، ثم من يكون مع النّظّارة، ولا يقاتل، وهو القاعد، ثم من يكون مُحَسِّنًا لها، ولا يباشر، ولا ينظر، وهو المضطجع اليقظان، ثم من لا يقع منه شيء من ذلك، ولكنه راض، وهو النائم، والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية: من يكون أقلّ شرًّا ممن فوقه، على التفصيل المذكور. انتهى (١).

(مَن تَشَرَّفَ لَهَا)؛ أي: انتصب لها، وتطلّع إليه، وتعرّض لها، (تَسْتَشْرِفُهُ)؛ أي: تغلبه، وتصرعه، وقيل: هو من الإشراف على الهلاك؛ أي: تستهلكه، وقيل: من طلع لها بشخصه طالعته بشرّها.

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "من تشرّف لها" بفتح المثناة، والمعجمة، وتشديد الراء: تطلع إليها؛ أي: الفتنة، "تستشرفه"؛ أي: تجره لنفسها، وتدعوه إلى الوقوع فيها، والتشرف: التطلع، واستعير هنا للإصابة بشرورها (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "من تشرَّف لها تستشرفه"؛ أي: من تعاطاها، أو تَشَوّف إليها صرعته، وأهلكته، وهو مأخوذ من أشرف المريضُ على الهلاك: إذا أشفى عليه، وقد رُوي: "من يتشرّف إليها"، على أنه فعل مضارع مجزوم بالشرط، والأول على أنه فعل ماض بموضع جزم بالشرط. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قوله: "من تشرف لها" بفتح المثناة، والمعجمة، وتشديد الراء؛ أي: تطلّع لها بأن يتصدَّى ويتعرض لها، ولا يُعرِض عنها، وضُبط أيضًا من الشرف، ومن الإشراف، وقوله: "تستشرفه"؛ أي: تُهلكه بأن يُشرف منها على الهلاك، يقال: استشرفت الشيء: علوته، وأشرفت عليه، يريد: من انتصب لها انتصبت له، ومن أعرض عنها أعرضت عنه.

وحاصله: أن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرّها، ويَحْتَمِل أن يكون


(١) "عمدة القاري" ١٦/ ١٣٨ و ٢٤/ ١٩٠.
(٢) "فيض القدير" ٤/ ٩٩.
(٣) "المفهم" ٧/ ٢١١.