قال الطبريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختَلف السلف في هذا الحديث، فحمله بعضهم على العموم، وهم من قعد عن الدخول في القتال بين المسلمين مطلقًا، كسعد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، في آخرين، وتمسكوا بالظواهر المذكورة وغيرها، ثم اختَلف هؤلاء، فقالت طائفة: بلزوم البيوت، وقالت طائفة: بل بالتحول عن بلد الفتن أصلًا، ثم اختلفوا فمنهم من قال: إذا هُجم عليه شيء من ذلك يكفّ يده، ولو قُتل، ومنهم من قال: بل يدافع عن نفسه، وعن ماله، وعن أهله، وهو معذور إن قَتَل، أو قُتِل.
وقال آخرون: إذا بغت طائفة على الإمام، فامتنعت من الواجب عليها، ونصبت الحرب وجب قتالها، وكذلك لو تحاربت طائفتان، وجب على كل قادر الأخذ على يد المخطئ، ونَصْر المصيب، وهذا قول الجمهور.
وفصّل آخرون، فقالوا: كل قتال وقع بين طائفتين من المسلمين حيث لا إمام للجماعة، فالقتال حينئذ ممنوع، وتُنَزَّل الأحاديث التي في هذا الباب وغيره على ذلك، وهو قول الأوزاعيّ، قال الطبريّ: والصواب أن يقال: إن الفتنة أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجب على كل من قَدَر عليه، فمن أعان المحقّ أصاب، ومن أعان المخطئ أخطأ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها.
وذهب آخرون إلى أن الأحاديث وردت في حقّ ناس مخصوصين، وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك، وقيل: إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان، حيث يحصل التحقق أن المقاتَلة إنما هي في طلب المُلك، وقد وقع في حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- الذي سبقت الإشارة إليه:"قلت: يا رسول اللَّه، ومتى ذلك؟ قال: أيام الهرج، قلت: ومتى؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه"(١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن حَمْله على الزمان الذي تكون فيه المقاتَلة لطلب المُلك، والتنافس في الدنيا أرجح، وأما إذا كان القتال لإحقاق الحقّ، ومناصرة صاحب الحقّ، ودفع البغاة عليه، كما وقع لعليّ -رضي اللَّه عنه-،