كثيرةً، يسبُون في المرة الواحدة من الكفار ألوفًا، ولله الحمد على إظهار الإسلام، وإعزازه. انتهى (١).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الرواية الصحيحة في "سَبَوا" بفتح السين والباء؛ أي: الذين أصالوا منا سبيًا، وقد قيّده بعضهم بضم السين والباء، وليس بشيء؛ لأنَّ قول المسلمين في جوابهم: لا والله ما نخلي بينكم وبين إخواننا، يعنون أنهم منهم في الأنساب والدين، فلو أن الروم طلبوا مَن سُبي منهم لَمَا، قالوا لهم ذلك مطلقًا. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الأصحّ ما سبق عن النوويّ: من جواز ضبط "سبوا" بالوجهين، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال التوربشتيّ: والأظهر أن هذا القول منهم يكون بعد الملحمة الكبرى التي تدور رحاها بين الفئتين بعد المصالحة والمناجزة لقتال عدوّ يتوجه إلى المسلمين، وبعد غزوة الروم لهم، وذلك قبل فتح قسطنطينية، فيطأ الروم أرض العرب حتى ينزل بالأعماق، أو بدابق، فيسألون المسلمين أن يخلّوا بينهم وبين من سبى ذريتهم، فيردّون الجواب على ما ذَكره في هذا الحديث بقوله:(فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللهِ لَا) تأكيد لـ "لا" الأُولى توسَّط بينهم القَسَم، فهو كقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} الآية [النساء: ٦٥]. (نُخَلِّي بَيْنَكمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا) المسلمين، (فَيُقَاتِلُونَهُمْ)؛ أي: يقاتل المسلمون الكفرة (فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ)؛ أي: ثلث المسلمين، (لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِيمْ أَبَدًا) كناية عن موتهم على النمر، وتعذيبهم على التأبيد.
وقال القرطبيّ: قوله: "لا يتوب الله عليهم أبدًا"؛ أي: لأنَّهم فَرّوا مر، الزحف، حيثما لا يجوز لهم الفرار، فلا يتوب الله عليهم؛ أي: لا يلهمهم إياها، ولا يُعينهم عليها، بل يُصِرّون على ذنبهم ذلك، ولا يندمون عليه، ويجوز أن يكون معنى ذلك: أنه تعالى لا يقبل توبتهم، وإن تابوا، ويكونون هؤلإء ممن شاء الله أن لا تقبل توبتهم؛ لعظيم جرمهم. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن الوجه الأول هو الصواب، والثاني