للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من فساد الحال في الدِّين، أو ضعفه، أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل في الجسم، كذا قال.

قال الحافظ: وكأنه يريد أن النهي عن تمني الموت هو حيث يتعلق بضرر الجسم، وأما إذا كان لضرر يتعلق بالدِّين فلا.

وقد ذكره عياض احتمالًا أيضًا، وقال غيره: ليس بين هذا الخبر وحديث، النهي عن تمني الموت معارضةٌ؛ لأن النهي صريح، وهذا إنما فيه إخبار عن شدة ستحصل، ينشأ عنها هذا التمني، وليس فيه تعرض لحكمه، وإنما سيق للإخبار عما سيقع.

قال الحافظ: ويمكن أخذ الحكم من الإشارة في قوله: "وليس به الدِّين، إنما هو البلاء"، فإنه سيق مساق الذمّ والانكار، وفيه إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسب الدِّين، لكان محمودًا.

ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدِّين عن جماعة من السلف، قال النوويّ: لا كراهة في ذلك، بل فعله خلائق من السلف، منهم عمر بن الخطاب، وعيس الغفاريّ، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.

ثم قال القرطبيّ: كأن في الحديث إشارةً إلى أن الفتن والمشقة المبالغة ستقع حتى يخفّ أمر الدِّين، ويقل الاعتناء بأمره، ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه، ومعاش نفسه، وما يتعلق به، ومن ثَمَّ عَظُم قدر العبادة أيام الفتنة، كما أخرج مسلم من حديث مَعْقِل بن يسار، رفعه: "العبادة في الْهَرْج، كهجرة إليّ".

ويؤخذ من قوله: "حتى يمر الرجل بقبر الرجل" أن التمني المذكور إنما يحصل عند رؤية القبر، وليس ذلك مرادًا، بل فيه إشارة إلى قوّة هذا التمني؛ لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده، قد يذهب ذلك التمني، أو يخفّ، عند مشاهدة القبر، والمقبور، فيتذكر هول المقام، فيضعف تمنّيه، فإذا تمادى على ذلك دلّ على تأكد أمر تلك الشدة عنده، حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر، وتذكّر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت.

وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال: "عُدت أبا هريرة، فقلت: