تغيير الشريعة، وتبديل الدين، فيتمنى الموت لسلامة دينه، وقد ذكر الاحتمالين القاضي عياض، والثاني منهما مردود؛ لقوله في الرواية الأخرى:"وليس به الدِّين إلا البلاء"؛ أي: لا يحمله على ذلك أمر الدين، وإنما يحمله عليه البلاء، وقد جزم ابن عبد البر بهذا الاحتمال المردود، فقال: ظن بعض الناس أن هذا الحديث معارض للنهي عن تمني الموت، وقال: في هذا إباحة تمنيه، وليس كما ظن، وإنما هذا خبر أن ذلك سيكون؛ لشدة تنزل بالناس من فساد الحال في الدين، وضعفه، وخوف ذهابه، لا لضرر ينزل بالمؤمن في جسمه. انتهى.
قال وليّ الدين: وقد عرفت أن رواية مسلم من طريق أبي حازم تردّه.
[فإن قلت]: إذا لم يكن كذلك فما الجمع بينه وبين النهي عن تمني الموت؟
[قلت]: لا معارضة بينهما حتى يحتاج إلى الجمع؛ لأن هذا الحديث إخبار عن شدةٍ تحصل، ينشأ عنها هذا التمني، وليس فيه الحكم على هذا التمني بشيء، لا بتحريم، ولا كراهة، ولا إباحة، فالحديث إنما سيق للإخبار عما سيقع، وأما حكم التمني فمأخوذ من حديث آخر، وجزم أبو العباس القرطبيّ بالاحتمال الأول الراجح، ثم قال: وكأن هذا إشارة إلى أن أكثر الفتن والمشقات والأنكَاد قد أذهبت الدِّين من أكثر الناس، أو قلَّلت الاعتناء به من الذي يتمسك بالدين عند هجوم الفتن، ولذلك عَظُم قَدْر العبادة في حالة الفتن، حتى قال:"العبادة في الهرْج كهجرة إليّ". انتهى (١).
٣ - (ومنها): أن قوله: "حتى يمر الرجل بقبر الرجل" الظاهر أن ذكر الرجل في الموضعين خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، فالمرأة في ذلك كالرجل، ويَحْتَمِل أنه إنما يحصل هذا التمني للرجال خاصة، فإنهم الذين يُبْتَلون بالشدائد، والمحن، ويظهر فيهم ثمرة الفتن، بخلاف النساء، فإنهن محجوبات في الأغلب، لا يَصْلَين نار الفتن، قال الشاعر: