للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(عَلَيْهِ)؛ أي: على ذلك الأحد، (حَتَّى تَقْبِضهُ)؛ أي: حتى تكون سببًا في قبض روحه؛ لأن قابض الروح هو الملِك، كما نصّ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- عليه في كتابه حيث قال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)} [السجدة: ١١]. (قَالَ) عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- (سَمِعْتُهَا)؛ أي: هذه القصّة، أو تلك الريح، (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: " (فَيَبْقَى) على الأرض بعد موت كل مؤمن بتلك الريح، (شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ) بكسر الخاء المعجمة، وتشديد الفاء، قال القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المراد بخفة الطير: اضطرابها، وتنفرها بأدنى توهّم، شَبَّه حال الأشرار في تهتّكهم، وعدم وقارهم، وثباتهم، واختلال رأيهم، وميلهم إلى الفجور والفساد بحال الطير. (وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ)؛ أي: وفي عقولها الناقصة، جمع حُلم بالضم، أو جمع حِلم بالكسر، ففيه إيماء إلى أنهم خالون عن العلم والحلم، بل الغالب عليهم الطيش، والغضب، والوحشة، والإتلاف، والإهلال، وقلة الرحمة (١).

وقال النوويّ: قال العلماء: معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور، وقضاء الشهوات، والفساد كطيران الطير، وفي العدوان، وظُلم بعضهم بعضًا في أخلاق السباع العادية. انتهى (٢).

(لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا)؛ أي لا يعملون بما أمر به الشرع، (وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا)؛ أي: لا يجتنبون منهيًّا من مناهي الشرع، بل يعكسون فيما يفعلون، (فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ)؛ أي: يتصور لهم بصورة إنسان، فكأن التشكل أقوى على التسلط في الضلالة من طريق الوسوسة، ولذا قَدَّم اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شياطين الإنس في قول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} الآية [الأنعام: ١١٢] (فَيَقُولُ) لهم: (أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟) بالجيم، من الاستجابة؛ أي: ألا تطيعوني فيما آمركم به، وفي بعض النسخ: "ألا تستحيون" بالحاء المهملة، من الاستحياء.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا أصحّ رواية، يكون معناه: ألا تستحيون


(١) "مرقاة المفاتيح" ١٠/ ١٧٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٨/ ٧٦.