للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عاصم، قال النوويّ: الأصحّ: الطلّ بالمهملة، وهو الموافق للحديث الآخر أنه كمنيّ الرجال، وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا شك، والأصح أنه الطل بالطاء المهملة، لقوله في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "ثم ينزل من السماء ماء"، وفي حديث آخر: "كمنيّ الرجال"، (فَتَنْيُتُ مِنْهُ)؛ أي: من ذلك المطر (أَجْسَادُ النَّاسِ)؛ أي: أجسامهم، (ثُمَّ يُنْفَخُ) "ثم" للترتيب مع التراخي؛ أي: ثم بعد مدّة من النفخة الأولى، قيل: هو أربعون سنة، (فِيهِ)؛ أي: في ذلك الصُّور، (أُخْرَى)؛ أي: نفخة أخرى، وهي النفخة الثانية، نفخة البعث والنشور، (فَإِذَا) نُفخ أخرى (هُمْ)؛ أي: الناس (قِيَامٌ)؛ أي: قائمون من قبورهم (يَنْظُرُونَ) ما يُفعل بهم، أو ينظر بعضهم إلى بعض، قائلين: من بعثنا من مرقدنا. (ثُمَّ) بعد قيامهم من قبورهم (يُقَالُ)؛ أي: ينادي المنادي، وهو إسرافيل عليه السلام، قائلًا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ)؛ أي: أقبلوا (إِلَى رَبِّكُمْ) تقدّم قريبًا أن هلمّ فيها لغتان: تستعمل بلفظ واحد، فيقال: هلم يا زيد، ويا زيدان، وزيدون إلى آخره، وتطابِق، فيقال: هلمّا، وهلمّوا إلى آخره. {وَقِفُوهُمْ} أي: قفوا الناس في الموقف ({إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ})؛ أي: لأنهم يُسألون عن أعمالهم، فيجازون عليها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا، فشرّ.

وقال الشوكانيّ -رضي اللَّه عنه-: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)} أي: احبسوهم، يقال: وقفتُ الدابة أقفها وقفًا، فوقفتْ هي وقوفًا، يتعدّى، ولا يتعدّى، وهذا الحبس لهم يكون قبل السَّوْق إلى جهنم؛ أي: وَقِفوهم للحساب، ثم سوقوهم إلى النار بعد ذلك، وجملة {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} تعليل للجملة الأولى. قال الكلبي: أي: مسؤولون عن أعمالهم، وأقوالهم، وأفعالهم. وقال الضحاك: عن خطاياهم، وقيل: عن لا إله إلّا اللَّه، وقيل: عن ظلم العباد، وقيل: هذا السؤال هو المذكور بعد هذا بقوله: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (٢٥)} أي: أيّ شيء لكم لا ينصر بعضكم بعضًا كما كنتم في الدنيا، وهذا توبيخ لهم، وتقريع وتهكم بهم، وأصله: تتناصرون، فطرحت إحدى التاءين تخفيفًا. قرأ الجمهور: {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} بكسر الهمزة، وقرأ عيسى بن عمر بفتحها، قال الكسائيّ: أي لأنهم، أو بأنهم. انتهى (١).


(١) "فتح القدير" للشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ٦/ ١٩٢.