للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سيكون قال الصغانيّ: الأسودان يُطلق على التمر والماء، والسواد للتمر دون الماء، فنُعتا بنعت واحد تغليبًا، وإذا اقترن الشيئان سُمّيا بِاسم أشهرهما، وعن أبي زيد: الماء يسمى الأسود، واستشهد لذلك بشعر، قلت (١): وفيه نظر، وقد تقع التحفة، أو الشرف موضع الشهرة، كالعُمَرين لأبي بكر وعمر، والقمرين للشمس والقمر. انتهى. "الفتح".

وقال في "موضع آخر: قوله: "الأسودان: التمر والماء" هو على التغليب، وإلا فالماء لا لون له، ولذلك قالوا: الأبيضان: اللبن والماء، وإنما أَطلقت على التمر أسود؛ لأنه غالب تمر المدينة، وزعم صاحب "المحكم"، وارتضاه بعض الشراح المتأخرين أن تفسير الأسودين بالتمر والماء مدرج، وإنما أرادت الحرّة (٢) والليل، واستدل بأن وجود التمر والماء يقتضي وصفهم بالسعة، وسياقها يقتضي وصفهم بالضِّيق، وكأنها بالغت في وصف حالهم بالشدة، حتى إنه لم يكن عندهم إلا الليل والحرة. انتهى.

قال الحافظ: وما ادعاه ليس بطائل، والإدراج لا يثبت بالتوهم، وقد أشار إلى أن مستنَده في ذلك أن بعضهم دعا قومًا، وقال لهم: ما عندي إلا الأسودان، فَرَضُوا بذلك، فقال: ما أردت إلا الحرة والليل، وهذا حجة عليه؛ لأن القوم فهموا التمر والماء، وهو الأصل، وأراد هو المزح معهم، فألغز لهم بذلك.

وقد تظاهرت الأخبار بالتفسير المذكور، ولا شك أن أمر العيش نسبيّ، ومن لا يجد إلا التمر أضيق حالًا ممن يجد الخبز مثلًا، ومن لم يجد إلا الخبز أضيق حالًا ممن يجد اللحم مثلًا، وهذا أمر لا يدفعه الحسّ، وهو الذي أرادت عائشة - رضي الله عنها -، وللبخاريّ في "الرقاق" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عنها بلفظ: "وما هو إلا التمر والماء"، وهو أصرح في المقصود، لا يقبل الحمل على الإدراج. انتهى (٣).


(١) القائل هو الحافظ، فتنبّه.
(٢) قال في "العمدة": الحرّة بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء: البقل الذي يؤكل غير مطبوخ. انتهى.
(٣) "الفتح" ٦/ ٤١٨.