للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لهم منها ناقة عُشَراء تَمْخَضُ، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم وأجابهم إلى طَلِبتهم ليؤمنن به وليتبعنه، فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا الله عزو جل، فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جَوْفاء وَبْرَاء يتحرك جنينها بين جنبيها، كما سألوا، فعند ذلك آمن رئيس القوم وهو: "جُندَع بن عمرو" ومن كان معه على أمره، وأراد بقية، أشراف ثمود أن يؤمنوا فصدّهم "ذُؤاب بن عمرو بن لبيد" و"الحباب" صاحب أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلهس، وكان لـ"جندع بن عمرو" ابن عم يقال له: "شهاب بن خليفة بن محلاة بن لبيد بن حراس"، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فأراد أن يُسلم أيضًا فنهاه أولئك الرهط، فأطاعهم، فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود، يقال له مهوس بن عنمة بن الدميل، رحمه الله:

وكانت عُصْبةٌ من آل عَمْرو … إلى دين النبيّ دَعَوا شِهَابا

عَزيزَ ثَمُودَ كُلَّهمُ جميعًا … فَهَمّ بأن يُجِيبَ فلو أجابا

لأصبح صالحٌ فينا عَزيزًا … وما عَدَلوا بصاحبهم ذُؤابا

ولكنّ الغُوَاة من آل حِجْرٍ … تَوَلَّوْا بعد رُشْدهم ذئابا

فأقامت الناقة وفصيلها بعدما وضعته بين أظهرهم مدة، تشرب ماء بئرها يومًا، وتَدَعه لهم يومًا، وكانوا يشربون لبنها يوم شُربها، يحتلبونها فيملؤون ما شاؤوا من، أوعيتهم وأوانيهم، كما قال في الآية الأخرى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)} [القمر: ٢٨]، وقال تعالى: {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥)} [الشعراء: ١٥٥]، وكانت تسرح في بعض تلك الأودية، تَرِدُ من فَجّ، وتصدر من غيره؛ ليسعها؛ لأنها كانت تتضلَّع عن الماء، وكانت - على ما ذكر - خَلْقًا هائلًا ومنظرًا رائعًا، إذا مرَّت بأنعامهم نفرت منها، فلما طال عليهم، واشتد تكذيبهم لصالح النبي عليه السلام، عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلهم على قتلها.

قال قتادة: بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كلهم، أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان [أيضًا].

قال ابن كثير: وهذا هو الظاهر، لأن الله تعالى يقول: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤)} [الشمس: ١٤] وقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ