أعطاه الله رحمة، يرجع بها بذلك العضو إلى حاله قبل العطاس، ويقيم على حاله من غير تغيير، فإن كان التسميت بالمهملة، فمعناه: رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه: صان الله شوامته؛ أي: قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال، قال: وشوامت كل شيء: قوائمه التي بها قوامه، فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت، وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه، وهي رأسه، وما يتصل به، من عنق، وصدر. انتهى ملخصًا (١).
(فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ)؛ أي: دعوت له، (وَعَطَسْتُ أَنَا فَلَمْ تُشَمِّتْني)؛ أي: لم تدع لي، ولماذا هذا التفريق؟.
ووقع في رواية البخاريّ بلفظ:"فقيل له"، فقال في "الفتح": السائل عن ذلك هو العاطس الذي لم يحمد، وقع كذلك في حديث أبي هريرة بلفظ:"فسأله الشريف"، وكذا في رواية شعبة بلفظ:"فقال الرجل: يا رسول الله شمتّ هذا، ولم تشمتني"، وهذا قد يعكر على ما في حديث سهل بن سعد أن الشريف المذكور هو عامر بن الطفيل، فإنه كان كافرًا، ومات على كفره، فيبعد أن يخاطب، النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: يا رسول الله، ويَحْتَمِل أن يكون قالها غير معتقد، بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون، وَيحْتَمِل أن تكون القصة لعامر بن الطفيل المذكور، ففي الصحابة عامر بن الطفيل الأسلميّ له ذِكر في الصحابة، وحديثه رواه عنه عبد الله بن بريدة الأسلميّ، حدثني عمي عامر بن الطفيل، وفي الصحابة أيضًا عامر بن الطفيل الأزديّ، ذكره وثيمة في "كتاب الردة" وورد له مرثية في النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن في سياق حديث سهل بن سعد ما يدل على أنه عامر المشهور احتَمَل أن يكون أحد هذين.
قال الحافظ: ثم راجعت "معجم الطبرانيّ" فوجدت في سياق حديث سهل بن سعد الدلالة الظاهرة على أنه عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب الفارس المشهور، وكان قَدِم المدينة، وجرى بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلام، ثم عطس ابن أخيه، فحمد، فشمّته النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم عطس عامر فلم يحمد، فلم يشمته، فسأله … الحديت، وفيه قصة غزوة بئر
(١) "الفتح" ١٤/ ١٠٨ - ١٠٩، "كتاب الأدب" رقم (٦٢٢١).