ليعم الحكم عليه بعموم علته، بل المعلل هو الترك بعد التكرير، فكأنه قيل: لا يلزم تكرر التشميت؛ لأنه مزكوم، قال: ويتأيد بمناسبة المشقة الناشئة عن التكرار. انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): قد خُصّ من عموم الأمر بتشميت العاطس جماعة:
[الأول]: من لم يحمد، كما تقدم.
[الثاني]: الكافر، فقد أخرج أبو داود، وصححه الحاكم، من حديث أبي موسى الأشعريّ قال:"كانت اليهود يتعاطسون عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن يقول: يرحمكم الله، فكان يقول: يهديكم الله، ويصلح بالكم"، قال ابن دقيق العيد: إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة: إن التشميت: الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت، وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا، قال: ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناه على الغالب؛ لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة.
قال الحافظ: وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة، وأما من حيث الشرع، فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت، لكن لهم تشميت مخصوص، وهو الدعاء لهم بالهداية، وإصلاح البال، وهو الشأن، ولا مانع من ذلك، بخلاف تشميت المسلمين، فإنهم أهل الدعاء بالرحمة، بخلاف الكفار.
[الثالث]: المزكوم إذا تكرر منه العطاس، فزاد على الثلاث، فإن ظاهر الأمر بالتشميت يشمل من عطس واحدة، أو أكثر، لكن أخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة، قال:"يشمته واحدة، وثنتين، وثلاثًا، وما كان بعد ذلك فهو زكام" هكذا أخرجه موقوفًا، من رواية سفيان بن عيينة عنه، وأخرجه أبو داود من طريق يحيى القطان، عن ابن عجلان كذلك، ولفظه:"شمِّت أخاك"، وأخرجه من رواية الليث، عن ابن عجلان، وقال فيه: لا أعلمه إلا ردعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو داود: ورفعه موسى بن قيس، عن ابن عجلان أيضًا، وفي "الموطأ" عن عبد الله بن أبي بكر،