وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي الدرداء مرفوعًا نحوه، لكن قال في الثالث: "وصنف عليهم الحساب والعقاب".
وروى ابن أبي الدنيا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر، أحد ثقات الشاميين، من صغار التابعين قال: ما من أهل بيت إلا وفي سقف بيتهم من الجن، وإذا وُضع الغداء نزلوا، فتغدوا معهم، والعشاء كذلك.
واستدل من قال بأنهم يتناكحون بقوله تعالى:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}[الرحمن: ٧٤]، وبقوله تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي}[الكهف: ٥٠] والدلالة من ذلك ظاهرة، واعتل من أنكر ذلك بأن الله تعالى أخبر أن الجان خُلق من نار، وفي النار من اليبوسة والخفة ما يمنع معه التوالد، والجواب أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب، وكما أن الآدمي ليس طينًا حقيقة، كذلك الجنيّ ليس نارًا حقيقة.
وقد وقع في "الصحيح" في قصة تعرض الشيطان للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فأخذته، فخنقته حتى وجدت بَرْد ريقه على يدي".
وبهذا الجواب يندفع إيراد من استشكل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠)} [الصافات: ١٠] فقال: كيف تحرق النار النار؟
وأما ثوابهم، وعقابهم فلم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختُلف هل يثابون؟ فروى الطبريّ، وابن أبي حاتم من طريق أبي الزناد موقوفًا قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار قال الله لمؤمن الجنّ، وسائر الأمم؛ أي: من غير الإنس: كونوا ترابًا، فحينئذ يقول الكافر:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}[النبأ: ٤٠].
وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يُجاروا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابًا. وروي عن أبي حنيفة نحو هذا القول.
وذهب الجمهور إلى أنهم يُثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة، والأوزاعيّ، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وغيرهم.
ثم اختلفوا هل يدخلون مدخل الإنس على أربعة أقوال: أحدها: نعم، وهو قول الأكثر. وثانيها: يكونون في ربض الجنة، وهو منقول عن مالك،