ولد المعز الذي بلغ أربعة أشهر، وجفر جنباه، وفُصل عن أمه، وأخذ في الرعي، والمؤنّث منه جَفْرة، قاله في "اللسان"(١). (فَقُلْتُ لَهُ)؛ أي: لذلك الابن (أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ، فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي) قال ثعلب: الأريكة هو السرير الذي في الحجلة، والحجلة ستارة العروس، ولا يسمى السرير أريكة إلا إذا كان في الحجلة، وقال الزجاج: الأرائك: الفُرُش في الحجال، وقيل: الأريكة: سرير منجّد مزيّن في قبة، أو في بيت، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة، قاله في "اللسان".
قال أبو اليسر:(فَقُلْتُ) للرجل لمّا علمت أنه موجود في البيت: (اخْرُجْ إِلَيَّ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ؟)؛ أي: في أيّ مكان من البيت، (فَخَرَجَ) إليّ (فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ)؛ أي: اختفيت (مِنِّي؟ قَالَ) الرجل: (أَنَا وَاللهِ أُحَدِّثُكَ) في شأن اختفائي عنك، (ثُمَّ) بعد أن أحدّثك بسبب الاختفاء عنك (لَا أَكْذِبُكَ) بالوعد في قضاء دَيني، (خَشِيتُ) بكسر الشين المعجمة، (وَاللهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ) بالوعد (فَأَكْذِبَكَ) بخُلفه، فقوله:(وَأَنْ أَعِدَكَ، فَأُخْلِفَكَ) تأكيد لِمَا قبله، (وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ يعني: أنك أرفع من أن يكذب عليك أحد حيث كنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة أرفع الناس قدرًا، فلا ينبغي لي أن أعدك، ولا أفي لك، فإن هذا يحط من قدرك الرفيع، فهذا هو سبب الاختفاء، ثم ذكر سبب عدم وفائه بالوعد، فقال:(وَكُنْتُ وَاللهِ مُعْسِرًا)؛ أي: فقيرًا لا أستطيع قضاء دَينك. (قَالَ) أبو اليسر: (قُلْتُ: آللهِ؟)، أي): أقسمت عليك هل أنت معسر عن قضاء دَيني؟ (قَالَ) الرجل: (اللهِ)؛ أي: والله كنت معسرًا، (قُلْتُ: آللهِ؟ قَالَ: اللهِ، قُلْتُ: آللهِ؟ قَالَ: اللهِ) كرّره ثلاث مرّات مبالغة في التأكد.
فقوله:"آلله" بمدّ الهمزة، وهي همزة الاستفهام دخلت على همزة الوصل في كلمة "الله"، وحرف القَسَم محذوف، فالهاء في الأخير مجرورة، وقد روى بعضهم فتح الهاء أيضًا، ولكنه غير موافق لقياس العربيّة في قول أكثر النحاة؛ لأن واو القسم إذا عُوّضت بهمزة الاستفهام، فلا يجوز فيه إلا الخفض.