للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعليه حلّة؛ لأن الحلّة ثوبان أحدهما على الآخر، وبذلك تسمّى الحلّة؛ لحلول أحدهما على الآخر.

وقال أبو عبيد: الحلّة إزار ورداء، ولا يكون حلّة حتى يكونا ثوبين، ومنه قوله في الحديث الآخر: "فرأى رجلًا عليه حلّة، قد ائتزر بأحدهما، وتردى بالآخر"، وقيل: لا يقال: حلّة إلا للثوب الجديد الذي حُلّ الآن من طيّه؛ لأن الحلة ثوب على ثوب، وسمّيت حلّة؛ لحلول أحدهما على الآخر. انتهى (١).

(فَمَسَحَ) أبو اليسر (رَأْسِي) إيناسًا له، (وَقَالَ) داعيًا له: (اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ) دعا له لما رأى من نجابته حيث سأله هذا السؤال. (يَا ابْنَ أَخِي بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ) فـ "بَصَرُ" بصيغة المصدر مبتدأ خبره محذوف؛ أي: حاصل، ومثله قوله: (وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا - وَأَشَارَ) أبو اليسر (إِلَى مَنَاطِ)؛ أي: موضع (قَلْبِهِ)، وقوله: (رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) بنصب "رسولَ" على أنه مفعول المصدرين السابقين، أعني "بصرُ"، و"سَمْعُ" على سبيل التنازع، (وَهُوَ)؛ أي: والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - (يَقُولُ: "أَطْعِمُوهُمْ) الضمير للمماليك، (مِمَّا يَأْكُلُونَ، وَأَلبِسُوهُمْ) بقطع الهمزة، (مِمَّا تَلْبَسُونَ") بفتح المضارعة، من لبس يلبس، من باب علم.

قال النوويّ رحمه اللهُ: الأمر بإطعامهم مما يأكل السيد، وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب، لا على الإيجاب، وهذا بإجماع المسلمين، وأما فِعل أبي اليسر - رضي الله عنه - في كسوة غلامه مثل كسوته، فعمل بالمستحب، وإنما يجب على السيد نفقة المملوك، وكسوته بالمعروف، بحسب البلدان، والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد، ولباسه، أو دونه، أو فوقه، حتى لو قَتَّر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله، إما زهدًا، وإما شُحًّا، لا يحل له التقتير على المملوك، وإلزامه، وموافقته إلا برضاه، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيقه، فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه، أو بغيره (٢).

والحاصل: أن المقصود عند الجمهور المواساة بحسب المعروف، لا المساواة، ويدلّ على ذلك ما أخرجه البخاريّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن


(١) "شرح الأبيّ" ٧/ ٣١٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٣٣.