الثوب الواحد؛ لأن جابرًا - رضي الله عنه - فعل ما فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما أخبر به، لكن الزيادة على الواحد فضيلة، كما سبق البحث عنه مستوفًى في "كتاب الصلاة".
وقال النوويّ رحمه اللهُ: قوله: "مشتملًا"؛ أي: ملتحفًا اشتمالًا ليس باشتمال الصمّاء المنهيّ عنه، وفيه دليل لجواز الصلاة في ثوب واحد، مع وجود الثياب، لكن الأفضل أن يزيد على ثوب عند الإمكان، وإنما فعل جابر هذا؛ للتعليم، كما قال.
قال عبادة:(فَتَخَطَّيْتُ الْقَوْمَ) قال القاضي: فعل ذلك، وزاحم حرصًا علي القرب منه لسماع العلم، (حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ)؛ أي: بين جابر (وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ) هذا تمهيد، ومفاتحة للسؤال (أَتُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) مشتملًا به (وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ) جملة حاليّة من الفاعل. (قَالَ) عبادة: (فَقَالَ)؛ أي: ضرب، ففيه إطلاق القول على الفعل، وهو شائِع كثير، (بِيَدِهِ فِي صَدْرِي هَكَذَا)؛ أي: مقوّسًا أصابعه، كما فسّره بقوله:(وَفرَّقَ) جابر (بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَقَوَّسَهَا) المعنى أنه ضربه بظهر كفِّه في صدره، مفرّقًا بين أصابعه، ثم مقوّسًا لها؛ أي: جاعلًا لها على صورة القوس؛ يعني: أنه بعد تفريقها لواها، وثناها إلى باطن الكفّ، ثم ضربه بها، وقوله:(أَرَدْتُ) مقول لقول مقدّر حال من فاعل "قال بيده"؛ أي: حال كونه قائلًا: أردت (أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الأَحْمَقُ)؛ أي: الجاهل بالأحكام الشرعيّة (مِثْلُكَ، فَيَرَانِي كَيْفَ أَصْنَعُ؟) في صلاتي، فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ) برفع "يصنع" كما هو مشكول بضبط القلم، فيكون معطوفًا على "يراني"، ويَحْتمل أن يكون منصوبًا في جواب الاستفهام، والله تعالى أعلم.
وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك" المراد بالأحمق هنا: الجاهل، وحقيقة الأحمق من يعمل ما يضرّه، مع علمه بقبحه، وفي هذا جواز مثل هذا اللفظ للتعزير، والتأديب، وزَجْر المتعلم، وتنبيهه، ولأن لفظة الأحمق والظالم قلّ من ينفك من الاتصاف بهما، وهذه الألفاظ هي التى يؤدِّب بها المتقون والورعون من استحقّ التأديب، والتوبيخ، والإغلاظ في القول؛ لأن ما يقوله غيرهم من ألفاظ السفه. انتهى (١).