للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خاضعون، وقيل: خائفون، وعن ابن سيرين: كان المسلمون يلتفتون في صلاتهم، فنزلت هذه الآية، فغضّوا أبصارهم، فكان أحدهم ينظر إلى موضع سجوده، ويقال: خشع له، وتخشّع: إذا تذلّل، قال ابن سلام: الخشوع: الخوف الثابت في القلب، وقال الليث: الخشوع قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع يكون في البدن، والبصر، والصوت.

وقال عياض: كذا رويناه بالخاء المعجمة عن الأكثر، ورويناه عن القاضي الشهيد: "فجشعنا" بالجيم، وكسر الشين، وكذا هو في كتاب القاضي التميميّ بخط يده، ومعناهما صحيح، فمعناه بالخاء ما تقدّم، ومعناه بالجيم: الفزع، ومنه الحديث الآخر: "فبكى معاذ جشعًا لفراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". قال الهرويّ: معناه جزعًا لفراقه، والجزع: الفزع لفراق الإلف، والجشع أيضًا: الحرص على الأكل وغيره. انتهى (١).

(ثُمَّ قَالَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرّة ثانيةً: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ قَالَ) جابر: (فَخَشَعْنَا، ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مرّة ثالثةً: ("أيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ قُلْنَا: لَا)؛ أي: لا يحبّ أحدنا ذلك، (أَيُّنَا يَا رَسُولَ اللهِ) يحبّ أن يعرض الله عنه، فكلنا لا يحبّ ذلك، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ)؛ أي: في جهة قبلته، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفًى في "كتاب الصلاة"، فراجعه تستفد علمًا، وبالله تعالى التوفيق.

(فَلَا يَبْصُقَنَّ)؛ أي: لا يرمينّ بصاقه (قِبَلَ وَجْهِهِ) لأن الله تعالى قِبَل وجهه، (وَلَا عَنْ يَمِينِهِ) فإن عن يمينه ملَكًا، (وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ) لأنه موقف قرينه من الشيطان، فيقع عليه. (تَحْتَه رِجْلِهِ الْيُسْرَى) لأنها جهة خالية، (فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ) بكسر الجيم، أي: غلبت عليه، وبادرته (بَادِرَةٌ)؛ أي: بصاقة مسرعة (فَلْيَقُلْ)؛ أي: يَدْلُك، ففيه إطلاق القول على الفعل، (بِثَوْبِهِ هَكَذَا") ثمّ فسّر ذلك القول بقوله: (ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ) فدلكها حتى ذهب أثرها (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("أَرُونِي عَبِيرًا") بفتح العين، وكسر الموحّدة؛ أي: طِيبًا مخلوطًا من أنواع، قال أبو عبيد: العبير عند العرب هو الزعفران وحده، وقال


(١) "شرح الأبيّ" ٧/ ٣١١.