للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: ١٢٨]، ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشحّ جُعل حاضرًا لها، لا يغيب عنها أبدًا، ولا تنفك عنه؛ يعني: أنها مطبوعة عليه، والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها، والرجل لا يكاد نفسه تسمح بأن يَقسم لها، وأن يمسكها إذا رغب عنها، وأحبَّ غيرها. انتهى (١).

وقال الإمام ابن جرير -رحمه الله- في تفسير الآية المذكورة: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: وإن امرأة خافت من بعلها يقول: عَلِمت من زوجها نشوزًا؛ يعني: استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها أَثَرَةً عليها، وارتفاعًا بها عنها، إما لبغضة، وإما لكراهة منه بعض أشياء بها، إما دمامتها، وإما سنّها وكِبَرها، أو غير ذلك من أمورها، أو إعراضًا؛ يعني: انصرافًا عنها بوجهه، أو ببعض منافعه التي كانت لها منه، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا يقول: فلا حرج عليهما؛ يعني: على المرأة الخائفة نشوز بعلها، أو إعراضه عنها، أن يصلحا بينهما صلحًا، وهو أن تترك له يومها، أو تضع عنه بعض الواجب لها من حق عليه، تستعطفه بذلك، وتستديم المقام في حباله، والتمسك بالعقد الذي بينها وبينه من النكاح، يقول: والصلح خير؛ يعني: والصلح بترك بعض الحقّ؛ استدامةً للحرمة، وتماسكًا بعقد النكاح خير من طلب الفُرقة، والطلاق. انتهى (٢).

وقال ابن كثير -رحمه الله-: يقول تعالى مخبرًا ومشرّعًا من حال الزوجين، تارةً في حال نفور الرجل عن المرأة وتارةً في حال اتّفاقه معها، وتارةً في حال فراقه لها، فالحالة الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يُعرض عنها، فلها أن تُسقط عنه حقها، أو بعضه، من نفقة، أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من حقوقها عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا حرج عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها، ولهذا قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}، ثم قال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}؛ أي: من الفراق، وقوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}؛ أي: الصلح عند المشاحّة خير من الفراق، ولهذا لما كَبِرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فراقها، فصالحته على


(١) "عمدة القاري" ١٣/ ٢٧١.
(٢) "تفسير الطبريّ" ٥/ ٣٠٥ - ٣٠٦.