للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إياهم من النار بغير الإيمان، والعمل الصالح بقوله: (فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ) أي لجميعكم، عامّكم وخاصّكم (مِنَ اللهِ شَيْئًا) أي من رحمته، أو دفع عذابه، أو غير ذلك.

وقال النووي: معناه: لا تتكلوا على قرابتي، فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم. انتهى (١).

وقال القاريّ رحمه الله: المعنى: أني لا أقدر أن أدفع عنكم من عذاب الله شيئًا إن أراد الله أن يعذّبكم، وهو مقتبس من قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} الآية [الفتح: ١١]، بل قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية [الأعراف: ١٨٨].

[فإن قلت]: هذا يعارض ما تقدّم من ثبوت الشفاعة له - صلى الله عليه وسلم -.

[أجيب]: أن ثبوتها لا يوجب أنه يملك شيئًا، ولا سيّما وهو محتاج فيها إلى الإذن من الله تعالى، فقد أحكم الله تعالى شأنها، وجعل أمرها إليه وحده لا شريك، فقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، وقال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} الآية [الزمر: ٤٤].

والحاصل أنه - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان ينفع المؤمنين بشفاعته، غير أن ذلك ليس بكونه مالكًا لها، وإنما هو بطلب من الله تعالى، واستئذان عليه، ثم يقول الله تعالى له: "سل تُعطه، واشفع تُشَفَّع"، والله تعالى أعلم.

وقوله: (غَيْرَ أَن لَكُمْ رَحِمًا) استثناء منقطع (سَأَبُلَّهَا) بضم الباء الموحّدة، مِن بلّ الرحم، من باب نصر: إذا وصلها: أي سأصلها في الدنيا، ولا أغني من الله شيئًا، كذا في "النهاية". وقال السنديّ: أو بالشفاعة في الآخرة، أي إن آمنتم، لكن الوصل المشهور هو وصل الدنيا، لا وصل الآخرة، واستُعير الْبَلُّ لوصل الرحم؛ لأن بعض الأشياء تتصل بالنداوة، وتتفرّق باليبس، فاستُعير البلّ للوصل، واليبس للقطيعة.

وقال الطيبيّ: رحمه الله تُطْلِق العرب النداوة على الصلة كما تُطْلِق اليبس على القطيعة؛ لأنهم لَمّا رأوا بعض الأشياء يتّصل بالنداوة، ويَحصُل بينهما


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٨٠.