للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فمن قام بهذه الأركان على وجهها، حصل له القبول بهذا المعنى، ومن أتى ببعضها دون بعض، لم يحصل له ذلك، وإن كان لا يُعاقَب على ما أتى به منها عقوبة تاركه، بل تبرأ به ذمته، وقد يثاب عليه أيضًا.

ومن ها هنا يُعلَم أن ارتكاب بعض المحرمات التي ينقص بها الإيمان، تكون مانعةً من قبول بعض الطاعات، ولو كان من بعض أركان الإسلام بهذا المعنى الذي ذكرناه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يومًا"، رواه مسلم، وقال: "مَن أَتَى عَرّافًا، فصدقه بما يقول، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا"، رواه مسلم أيضًا، وقال: "أَيُّما عبد أَبَقَ من مواليه، لم تُقبَل له صلاة"، رواه مسلم أيضًا.

وحديثُ ابن عمر - رضي الله عنهما - يُستَدَلُّ به على أن الاسم إذا شَمِلَ أشياء متعددة، لم يَلزم زوالُ الاسم بزوال بعضها، فيبطل بذلك قول من قال: "إن الإيمان لو دخلت فيه الأعمال لَلَزِم أن يزول بزوال عمل مما دخل في مسماه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه، وفسر بها الإسلام في حديث جبرائيل عليه السلام، وفي حديث طلحة بن عُبيد الله الذي فيه أن أعرابيًّا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، ففسره له بهذه الخمس.

ومع هذا فالمخالفون في الإيمان يقولون: لو زال من الإسلام خصلة واحدة، أو أربع خصال، سوى الشهادتين لم يَخرُج بذلك من الإسلام، وقد رَوَى بعضهم أن جبرائيل عليه السلام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شرائع الإسلام، لا عن الإسلام، وهذه اللفظة لم تصح عند أئمة الحديث ونُقّاده، منهم أبو زرعة الرازيّ، ومسلم بن الحجاج، وأبو جعفر العقيليّ، وغيرهم.

وقد ضَرَب العلماء مَثَلَ الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشُعَبٌ، فاسم الشجرة يشتمل على ذلك كله، ولو زال شيء من شُعَبها وفروعها لم يَزُل عنه اسم الشجرة، وإنما يقال: هي شجرة ناقصة، وغيرها أتم منها.

وقد ضرب الله مثل الإيمان بذلك، في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} الآية [ابراهيم: ٢٤]، والمراد بالكلمة كلمة التوحيد، وبأصلها التوحيدُ الثابتُ في القلوب، وأُكُلها هو الأعمال الصالحة الناشئة منه.