للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النسب، وشُجْنة الرحم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فائدة الحديث انقطاعُ الولاية في الدين بين المسلم والكافر، ولو كان قريبًا حميمًا.

وهذا الذي قالاه أصل عظيم من أصول الدين، وهو من لوازم كلمة التوحيد، وهو المعبَّر عنه بالولاء والبراء، أو الموالاة والمعاداة في الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وأصل الموالاة المحبّة والقرب، وأصل المعاداة البغض والبعد، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح أمورٌ كثيرة من صميم هذا الدين، كالنصرة، والأنس، والمعاونة، وكالجهاد، والهجرة، والإكرام، والاحترام، والكُرْه، والعداوة، فيجب على المؤمن محبّة الله، ورُسُله، وأتباعهم، وبغض أعداء الله، وأعداء الرسل، وأتباعهم، وقد تجتمع في المؤمن أسباب المحبّة والبغض بقدر ما فيه من خصال الخير والشرّ.

ومُسمّى الموالاة لأعداء الله تعالى يقع على شُعب كثيرة متفاوتة الأحكام، فمنها ما يوجب الرّدّةَ، وذهاب الإسلام بالكلّيّة، ومنها ما دون ذلك، من الكبائر والمحرّمات، وكذا معاداة المؤمنين المستقيمين على دين الله تعالى.

وقد دلّ على هذا الأصل العظيم الكتاب، والسنّة، والإجماع، فمن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)} الآية [المجادلة: ٢٠ - ٢٢]، وقوله: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} الآية [البقرة: ٢٥٧]، وقوله: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} الآية [آل عمران: ٢٨]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٨٩٣.