للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَستحقّ تلك المنزلة، ولا كان بصفة أهلها، بخلاف عكاشة، وقيل: بل كان منافقًا، فأجابه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بكلام مُحْتَمِلٍ، ولم يَرَ - صلى الله عليه وسلم - "التصريح له بأنك لست منهم؛ لما كان - صلى الله عليه وسلم - من حسن العشرة، وقيل: قد يكون سبق عكاشة بوحي أنه يجاب فيه، ولم يَحصُل ذلك للآخر.

قال النوويّ: وقد ذكر الخطيب البغداديّ في كتابه في الأسماء المبهمة، أنه يقال: إن هذا الرجل هو سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فإن صحّ هذا بَطَل قول من زعم أنه منافق، والأظهر المختار هو القول الأخير. انتهى (١).

وقال في "الفتح": أخرج ابن الجوزيّ في "كشف المشكل" من طريق أبي عُمَر الزاهد أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب عن ذلك، فقال: كان منافقًا، وكذا نقله الدارقطنيّ عن القاضي أبي العباس الْبِرْتيّ - بكسر الموحدة، وسكون الراء، بعدها مثناة - فقال: كان الثاني منافقًا، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يُسأل في شيء إلَّا أعطاه، فأجابه بذلك، ونَقَل ابن عبد البرّ عن بعض أهل العلم نحوَ قول ثعلب، وقال ابن ناصر: قول ثعلب أولى من رواية مجاهد؛ لأن سندها وَاهٍ، واستَبْعَد السهيلي قولَ ثعلب بما وقع في "مسند البزار" من وجه آخر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، فقام رجل من خيار المهاجرين، وسنده ضعيف

جدًّا، مع كونه مخالفًا لرواية الصحيح أنه من الأنصار.

وقال ابن بطال: معنى قوله: "سبقك": أي إلى إحراز هذه الصفات، وهي التوكل، وعدم التطير، وما ذُكر معه، عَدَلَ عن قوله: لستَ منهم، أو لست على أخلاقهم تَلَطُّفًا بأصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وحسن أدبه معهم.

وقال ابن الجوزيّ: يظهر لي أن الأول سأل عن صدقِ قلبٍ، فأُجيب، وأما الثاني فيَحْتَمِل أن يكون أريد به حسم المادّة، فلو قال للثاني: نعم، لأوشك أن يقوم ثالث، ورابع، إلى ما لا نهاية له، وليس كلُّ الناس يصلح لذلك.

وقال القرطبيّْ لَمْ يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ٨٩.