للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عكاشة، فلذلك لَمْ يُجَبْ؛ إذ لو أجابه، لجاز أن يطلب ذلك كلُّ من كان حاضرًا، فَيَتَسَلْسَل، فَسَدَّ البابَ بقوله ذلك.

وهذا أولى مِن قول مَن قال: كان منافقًا لوجهين:

[أحدهما]: أن الأصل في الصحابة - رضي الله عنهم - عدم النفاق، فلا يَثبُت ما يُخالف ذلك إلَّا بنقل صحيح.

[والثاني]: أنه قَل أن يصدُر مثل هذا السؤال إلَّا عن قصد صحيح، ويقين بتصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكيف يصدُر ذلك من منافق، وإلى هذا جنح ابن تيمية. وصَحَّحَ النوويُّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ بالوحي أنه يُجاب في عكاشة، ولم يقع ذلك في حق الآخر.

وقال السهيليّ: الذي عندي في هذا أنَّها كانت ساعة إجابة، عَلِمَها - صلى الله عليه وسلم -، واتَّفَقَ أن الرجل قال بعدما انقَضَت، ويُبَيِّنه ما وقع في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: "ثم جَلَسوا ساعةً يَتَحَدَّثون"، وفي رواية ابن إسحاق بعد قوله: "سبقك بها عكاشة": "وبَرَدَت الدعوة": أي انقضى وقتها. قال الحافظ بعد نقل هذا الأقوال: فتحصل لنا من كلام هؤلاء الأئمة على خمسة أجوبة، والعلم عند الله تعالى، ثم وجدت لقول ثعلب ومن وافقه مُسْتَنَدًا، وهو ما أخرجه الطبرانيّ، ومحمد بن سنجر، في "مسنده"، وعُمَر بن شَبَّة في "أخبار المدينة" من طريق نافع، مولى حَمْنة، عن أم قيس بنت مِحْصَن، وهي أخت عكاشة، أنَّها خرجت مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع، فقال: "يُحشَر من هذه المقبرة سبعون ألفًا، يدخلون الجَنَّة بغير حساب، كأنّ وجوههم القمر ليلة البدر"، فقام رجل فقال: يا رسول الله، وأنا؟ قال: "وأنت" (١)، فقام آخر: فقال: أنا؟ قال: "سبقك بها عكاشة"، قال: قلتُ لها: لِمَ لَمْ يقل للآخر؟ فقالت: أراه كان منافقًا. فإن كان هذا أصل ما جزم به مَن قال كان منافقًا فلا يدفع تأويل غيره؛ إذ ليس فيه إلَّا الظنّ. انتهى كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -.


(١) في صحة هذا الحديث نظر؛ لأنه سبق أنه استُشهد في قتال الردّة، قتله طُليحة، فليُنظر!!!.