للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَنَّهُ قَالَ: "لَا رُقْيَةَ) قال ابن الأثير - رَحِمَهُ اللهُ -: الرُّقية: الْعُوذة التي يُرْقَى بها صاحب الآفة، كالْحُمَّى، والصَّرْع، وغير ذلك من الآفات. انتهى (١). (إِلَّا مِنْ عَيْنٍ) أي من إصابة العائن غيره بعينه، والعين حقّ (أَوْ حُمَةٍ) - بضم الحاء المهملة، وتخفيف الميم - قال ثعلب وغيره: هي سم العقرب، وقال القَزّاز: قيل: هي شوكة العقرب، وكذا قال ابن سِيدَه: إنها الإِبْرة التي تضرب بها العقرب والزنبور، وقال الخطابيّ: الْحُمَة: كلُّ هامّة ذات سُمّ، من حية أو عقرب، وقد أخرج أبو داود من حديث سهل بن حُنيف - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لا رقية إلَّا من نَفْسٍ، أو حُمَة، أو لَدْغَة"، فغاير بينهما، فيحتمل أن يُخَرَّج على أن الْحُمَة خاصّة بالعقرب، فيكون ذكر اللَّدْغة بعدها من ذكر العامّ بعد الخاصّ، قاله في "الفتح" (٢).

وقال النوويّ: "الْحُمَة: سمّ العقرب، وشبهها، وقيل: فَوْعَة السمّ، وهي حِدّته، وحَرَارته، والمراد: أو ذي حُمَةٍ، كالعقرب، وشبهها: أي لا رقية إلَّا من لدغ ذي حُمَة (٣).

قال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومعنى الحديث: لا رُقْية أشفى، وأولى من رقية العين، وذي الْحُمَة، وقد رَقَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأَمَر بها، فإذا كانت بالقرآن، وبأسماء الله تعالى، فهي مباحة، وإنما جاءت الكراهة منها لِمَا كان بغير لسان العرب، فإنه ربّما كان كفرًا، أو قولًا يدخله الشرك، قال: ويَحْتَمِل أن يكون الذي كُرِه من الرُّقية ما كان منها على مذاهب الجاهلية في الْعَوَذ التي كانوا يتعاطونها، ويزعمون أنَّها تَدفَع عنهم الآفات، ويعتقدون أنَّها من قبل الجنّ، ومعونتهم. انتهى كلام الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقد اختَلَفت الرواية عن مالك في إجازة رُقية أهل الكتاب للمسلم، فأجازها مرّةً إذا رَقَى بكتاب الله، ومنعها أُخرى؛ إذ لا يُدرى ما الذي يَرقي به. انتهى (٤).

(فَقَالَ) سعيد لحُصين لَمّا ذَكَر له حُجّته في الاسترقاء (قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى


(١) "النهاية" ٢/ ٢٥٤.
(٢) "الفتح" ١٠/ ١٦٥.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ٩٣.
(٤) "المفهم" ١/ ٤٦٣.