للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ) - بضمّتين -: الناحية من الأرض، ومن السماء، وهو المراد هنا، والجمع آفاق، والنسبة إليه أُفُقيّ ردًّا إلى الواحد، وربّما قيل: أَفَقيّ - بفتحتين - تخفيفًا على غير قياس، حكاهما ابن السّكّيت وغيره (١).

(فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ) وفي رواية البخاريّ: "فإذا سوادٌ كثير" (فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ) وفي رواية البخاريّ: "فإذا سوادٌ قد ملأ الأُفُق، فقيل لي انظر ههنا وههنا، في آفاق السماء"، وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "فإذا الأفق قد سُدّ بوجوه الرجال"، وفي لفظ لأحمد: "فرأيت أمتي قد ملأوا السَّهْل والجبل، فأعجبني كثرتهم وهيئتهم، فقيل: أرضيت يا محمد؟ قلت: نعم، أي رب".

[تنبيه]: قد اسْتَشْكَل الإسماعيلي - رَحِمَهُ اللهُ -: كونه - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَعْرِف أمته حتى ظَنّ أنهم أمة موسى - عَلَيْهِ السَّلَام -، وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كيف تَعْرِف من لَمْ تَرَ من أمتك؟ فقال: إنهم غُرّ مُحَجَّلون من أثر الوضوء"، وفي لفظ: "سِيمَا ليست لأحد غيرهم" (٢).

وأجاب: بأن الأشخاص التي رآها في الأفق، لا يُدْرك منها إلَّا الكثرة، من غير تمييز لأعيانهم، وأما ما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فمحمول على ما إذا قَرُبُوا منه، وهذا كما يَرَى الشخص شخصًا على بُعْدٍ، فيكلِّمه، ولا يَعْرِف أنه أخوه، فإذا صار بحيث يتميز عن غيره عَرَفه، ويؤيده أن ذلك يقع عند ورودهم عليه الحوض. انتهى (٣)، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ") قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معناه: ومع هؤلاء سبعون ألفًا من أمتك، فكونهم من أمته - صلى الله عليه وسلم - لا شك فيه، وأما تقديره: فيحتمل أن يكون معناه: وسبعون ألفًا من أمتك، غير هؤلاء، وليسوا مع هؤلاء، ويحتمل


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ١٦ - ١٧.
(٢) سيأتي للمصنّف - رَحِمَهُ اللهُ - (٢٤٧) بلفظ: "قالوا: يا نبيّ الله أتعرفنا؟ قال: نعم لكم سِيمَا ليست لأحد غيركم، تَرِدون عليّ غُرًّا محجلين من آثار الوضوء … ".
(٣) راجع: "الفتح" ١١/ ٤١٦ "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٤١).