للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخامسة): في اختلاف العلماء في معنى هذا الحديث:

(اعلم): أنهم اختَلَفوا في ذلك، فقال أبو عبد الله المازريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه، ومعظم العلماء على خلاف ذلك، واحتجوا بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره - صلى الله عليه وسلم - لمنافع الأدوية، والأطعمة، كالْحَبّة السوداء، والقُسْط، والصَّبِر، وغير ذلك، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - تداوي، وبإخبار عائشة - رضي الله عنها - بكثرة تداويه، وبما عُلِم من الاستشفاء برُقَاه، وبالحديث الذي فيه أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - أخذوا على الرقية أجرًا، فاذا ثبت هذا حُمِل ما في الحديث على قوم يَعتقدون أن الأدوية نافعة بطبعها، ولا يُفَوِّضون الأمر إلى الله تعالى.

قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: قد ذهب إلى هذا غير واحد ممن تكلم على الحديث، ولا يستقيم هذا التأويل، وإنما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن هؤلاء لهم مزية وفضيلة، يدخلون الجَنَّة بغير حساب، وبأن وجوههم تضيء إضاءة القمر ليلة البدر، ولو كان كما تأوّله هؤلاء لَمَا اختص هؤلاء بهذه الفضيلة؛ لأن تلك هي عقيدة جميع المؤمنين، ومن اعتقد خلاف ذلك كَفَرَ.

وقد تكلم العلماء، وأصحاب المعاني على هذا، فذهب أبو سليمان الخطابيّ وغيره إلى أن المراد: مَن تركها توكلًا على الله تعالى، ورضاءً بقضائه وبلائه، قال الخطابيّ: وهذه من أرفع درجات المتحققين بالإيمان، قال: وإلى هذا ذهب جماعة سمّاهم، قال القاضي: وهذا ظاهر الحديث، ومقتضاه أنه لا فرق بين ما ذُكِر من الكيّ والرُّقَي، وسائر أنواع الطبّ.

وقال الداوديّ: المراد بالحديث: الذي يفعلونه في الصحة، فإنه يُكرَه لمن ليست به علةٌ أن يتخذ التمائم، ويَستعمل الرُّقَي، وأما من يستعمل ذلك، ممن به مرضٌ، فهو جائز.

وذهب بعضهم إلى تخصيص الرُّقَى والكيّ من بين أنواع الطبّ لمعني، وأن الطبّ غير قادح في التوكل؛ إذ تطبب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والفضلاء من السلف، وكل سبب مقطوع به، كالأكل والشرب للغذاء والريّ لا يقدح في التوكل عند المتكلمين في هذا الباب، ولهذا لَمْ يَنْفِ عنهم التطبب، ولهذا لَمْ يجعلوا الاكتساب للقوت، وعلى العيال قادحًا في التوكل، إذا لَمْ يكن ثقته في