للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رزقه باكتسابه، وكان مُفَوِّضًا في ذلك كله إلى الله تعالى، والكلام في الفرق بين الطبّ والكيّ يطول، وقد أباحهما النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأثنى عليهما، لكني أذكر منه نكتةً تكفي، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - تطبب في نفسه، وطَبَّب غيره، ولم يكتو، وكَوَى غيره، ونَهَى في "الصحيح" أمته عن الكيّ، وقال: "ما أُحِب أن أَكْتَوِي". انتهى كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ما تقدّم -: والظاهر من معنى الحديث ما اختاره الخطابيّ ومن وافقه كما تقدم.

وحاصله: أن هؤلاء كَمُلَ تفويضهم إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ -، فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم، ولا شك في فضيلة هذه الحالة، ورجحان صاحبها، وأما تطبب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، فليبيّن لنا الجواز، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قد تمسك بهذا الحديث مَن كَرِهَ الرُّقَى، والكَيّ من بين سائر الأدوية، وزعم أنهما قادحان في التوكل، دون غيرهما، وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:

[أحدها]: ما قاله الطبريّ، والمازريّ، وطائفة: إنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كان أهل الجاهلية يعتقدون، وقال غيرهم: الرُّقَى التي يُحْمَد تركها ما كان من كلام الجاهلية، ومن الذي لا يُعْقَل معناه لاحتمال أن يكون كفرًا، بخلاف الرُّقَى بالذكر ونحوه.

وتعقّبه القاضي عياض وغيره: بأن الحديث يدلّ على أن للسبعين ألفًا مزيّةً على غيرهم، وفضيلةً انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة، ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها، أو يَستعمل رُقَى الجاهلية ونحوها، فليس مسلمًا، فلم يَسْلَم هذا الجواب.

[ثانيها]: ما قاله الداوديّ، وطائفة: إن المراد بالحديث: الذين يجتنبون فعلَ ذلك في الصحة؛ خشيةَ وقوع الداء، وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٨٩٥ - ٩٠٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ٩١.