للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الداء به فلا، وبه قال ابن قتيبة وغيره، وهو اختيار ابن عبد البرّ، لكنه متعقّبٌ بما ثبت من الاستعاذة قبل وقوع الداء.

[ثالثها]: ما قاله الحليميّ: يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث مَن غَفَلَ عن أحوال الدنيا، وما فيها من الأسباب العوارض، فهم لا يَعْرِفون الاكتواء، ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يَعتريهم إلَّا الدعاء، والاعتصام بالله تعالى، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طبّ الأطباء، ورُقَى الرُّقَاة، ولا يحسنون من ذلك شيئًا.

[رابعها]: أن المراد بترك الرُّقَى والكيّ الاعتمادُ على الله في دفع الداء، والرضا بقدره، لا القدح في جواز ذلك؛ لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة، وعن السلف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب، وإلى هذا نحا الخطابيّ، ومن تبعه.

قال ابن الأثير: هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها، وهؤلاء هم خواصّ الأولياء، ولا يَرِد على هذا وقوع ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فعلًا، وأمرًا؛ لأنه كان في أعلى مقامات العرفان، ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع، وبيان الجواز، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله؛ لأنه كان كامل التوكل يقينًا، فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئًا، بخلاف غيره، ولو كان كثير التوكل، لكن مَن ترك الأسبابَ وفَوَّض، وأخلص في ذلك كان أرفع مقامًا.

قال الطبريّ: قيل: لا يستحق التوكل إلَّا من لَمْ يخالط قلبَهُ خوفٌ من شيء البتة، حتى السبع الضاري، والعدوّ العادي، ولا من لَمْ يَسْعَ في طلب رزق، ولا في مداواة ألم.

والحقّ أن مَن وَثِقَ بالله، وأيقن أن قضاءه عليه ماضٍ، لَمْ يقدح في توكله تعاطيه الأسباب؛ اتِّباعًا لسنته، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقد ظاهر - صلى الله عليه وسلم - في الحرب بين درعين، ولبس على رأسه الْمِغْفَر، وأقعد الرُّماة على فَمِ الشِّعْب، وخَنْدَق حول المدينة، وأَذِنَ في الهجرة إلى الحبشة، وإلى المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادَّخَر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن يَنزل عليه من السماء، وهو كان أحقّ الخلق أن يَحْصُل له ذلك، وقال للذي سأله: أعقل