للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه": "باب من اكتوى، أو كَوَى غيره، وفضل من لَمْ يكتو".

قال في "الفتح": كأنه أراد أن الكي جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لَمْ يتعين، وأنه إذا جاز كان أعمّ من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه، أو بغيره لنفسه، أو لغيره.

أما عموم الجواز فمأخوذ من نسبة الشفاء إليه في حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شَرْبة عَسَل، أو شَرْطَة مِحْجَم، أو لَذْعَةٍ من نار، وما أحب أن أَكْتَوِي"، متّفقٌ عليه.

وأما فضلُ تركه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما أحب أن أَكْتَوِيَ"، وقد أخرج مسلم من طريق أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -، قال: "رُمِيَ سعد بن معاذ على أكحله، فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ومن طريق أبي سفيان، عن جابر: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَث إلى أبي بن كعب طبيبًا، فقَطَع منه عِرْقًا، ثم كواه"، ورَوَى الطحاويّ، وصححه الحاكم، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَوَاني أبو طلحة في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، وأصله في البخاريّ، وأنه كُوِيَ من ذات الجنب، وعند الترمذيّ، عن أنس - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَوَى أسعد بن زُرارة من الشوكة"، ولمسلم عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما -: "كان يُسَلَّم عليّ حتى اكتويت، فتُرِكتُ، ثم تركت الكيّ، فعاد" (١).

وله عنه من وجه آخر: "أن الذي كان انقطع عني رجع إليّ"، يعني؛ تسليم الملائكة، كذا في الأصل، وفي لفظ: "أنه كان يُسَلَّم عليّ، فلما اكتويت أُمسك عني، فلما تركته عاد إليّ"، وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، عن عمران - رضي الله عنه -: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكيّ، فاكتوينا، فما أفلحنا، ولا أنجحنا"، وفي لفظ: "فلم يُفلحن، ولم يَنجحن"، وسنده قويّ.

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى؛ لما يقتضيه مجموع الأحاديث، وقيل: إنه خاصّ بعمران؛ لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خَطِرًا، فنهاه عن كيّه، فلما اشتدّ عليه كَوَاه، فلم يَنجَح.


(١) سيأتي في "كتاب الحجّ" برقم (١٢٢٦).