للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن قتيبة: الكيّ نوعان: كَيُّ الصحيح؛ لئلا يَعْتَلّ، فهذا الذي قيل فيه: لَمْ يتوكل من اكتوى؛ لأنه يريد أن يدفع القدر، والقدر لا يدافع.

والثاني: كيّ الجرح إذا نَغَلَ: أي فَسَد، والعضو إذا قُطِع فهو الذي يُشْرَع التداوي به، فإن كان الكيّ لأمر مُحْتَمِل فهو خلاف الأولى؛ لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير مُحَقَّقٍ.

وحاصل الجمع أن الفعل يدلُّ على الجواز، وعدم الفعل لا يدلُّ على المنع، بل يدلُّ على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه، وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقًا إلى الشفاء. انتهى ما في "الفتح" (١)، وهو تحقيق حسن جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.

[تنبيه]: قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولم أر في أثر صحيح أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اكتوى، إلَّا أن القرطبيّ نَسَبَ إلى كتاب "أدب النفوس" للطبريّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اكتوى، وذكره الْحَلِيميّ بلفظ: رُوي أنه اكتوى للجرح الذي أصابه بأُحد.

قال الحافظ: والثابت في الصحيح أن فاطمة أحرقت حَصِيرًا، فَحَشَت به جرحه، وليس هذا الكيَّ المعهودَ، وجزم ابن التين بأنه اكتوي، وعكسه ابن القيم في "الهدي". انتهى كلام الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): فيما يتعلّق بقوله: "وعلى ربهم يتوكلون":

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اختَلَفَت عبارات العلماء من السلف والخلف في حقيقة التوكل، فحَكَى الإمام، أبو جعفر الطَّبَريّ وغيره عن طائفة من السلف، أنهم قالوا: لا يَسْتَحقُّ اسم التوكل إلَّا من لَمْ يُخالط قلبه خوف غير الله تعالى، من سَبُع، أو عدوّ، حتى يترك السعي في طلب الرزق ثقةً بضمان الله تعالى له رزقه، واحتجوا بما جاء في ذلك من الآثار.

وقالت طائفة: حدُّه الثقة بالله تعالى، والإيقان بأن قضاءه نافذ ماضٍ،


(١) ١٠/ ١٦٤ "كتاب الطب" رقم (٥٧٠٤).
(٢) المصدر السابق.