للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واتباعُ سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في السعي فيما لا بدّ منه، من المطعم والمشرب، والتحرُّز من العدوّ، كما فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفعله الأنبياء - صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين - فقد نصّ الله تعالى عنهم الخوفَ، والكسبَ، والتحرّز من أعدائهم، وعن نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - مثله، من ادّخار قوت سنته، وتطبُّبه، وفعل ذلك جِلّة أصحابه - رضي الله عنهم - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا المذهب هو الحقّ، وأما الأول فمذهب رديء، بل باطلٌ؛ لمنابذته هدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، و"خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -"، فكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بالأسباب، وأمر أمته بالأخذ بها، وهو سيّد المتوكّلين، فتبصّر.

ثم إن هذا لا ينافي ما ورد في حقّ السبعين ألفًا من إعراضهم عن هذه الأسباب التي وردت في هذا الحديث؛ لأن هذا ورد الترغيب في الإعراض عنه، وأخبر الشارع بأنه من صفات هؤلاء، فيُقتصر عليه، فعليك بالتمييز بين الحقائق، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقال في "الفتح": قال القرطبي وغيره: قالت طائفة من الصوفية: لا يستحقّ اسم التوكل إلَّا من لَمْ يخالط قلبه خوف غير الله تعالى، حتى لو هَجَم عليه الأسد لا ينزعج، وحتى لا يَسْعَى في طلب الرزق؛ لكون الله تعالى ضَمِنَه له، وأبى هذا الجمهور، وقالوا: يحصل التوكل بأن يَثِقَ بوعد الله، ويوقن بأن قضاءه واقعٌ، ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق، مما لا بدّ له منه، من مطعم ومشرب، وتحرُّز من عدو بإعداد السلاح، وإغلاق الباب، ونحو ذلك، ومع ذلك فلا يطمئن إلى الأسباب بقلبه، بل يعتقد أنَّها لا تجلِبُ بذاتها نفعًا ولا تدفع ضرًّا، بل السبب والْمُسَبَّب فعل الله تعالى، والكل بمشيئته، فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قَدَح في توكله، وهُم مع ذلك فيه على قسمين: واصلٌ، وسالكٌ، فالأول صفة الواصل وهو الذي لا يلتفت إلى الأسباب، ولو تعاطاها، وأما السالك فيقع له الالتفات إلى السبب أحيانًا إلَّا أنه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية، والأذواق الحالية إلى أن يَرتقي إلى مقام الواصل.


(١) راجع: "شرح النوويّ" ٣/ ٩١، و"إكمال المعلم" ٢/ ٩٠٣ - ٩٠٤.