للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أبو القاسم القشيريّ: التوكل محله القلب، وأما الحركة الظاهرة فلا تنافيه، إذا تحقق العبد أن الكل من قبل الله، فإن تيسر شيء فبتيسيره، وإن تعسر فبتقديره.

ومن الأدلة على مشروعية الاكتساب حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: "أفضل ما أكل الرجل من كسبه، وكان داود يأكل من كسبه"، فقد قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠)} [الأنبياء: ٨٠]، وقال تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: ٧١].

وأما قول القائل: كيف تطلب ما لا تعرف مكانه؛ فجوابه أنه يَفْعَل السببب المأمور به، ويتوكل على الله فيما يَخرُج عن قدرته، فيَشُقُّ الأرض مثلًا، ويُلْقِي الحبّ، ويتوكل على الله في إنباته، وإنزال الغيث له، ويُحَصّل السلعة مثلًا، وينقلها، ويتوكل على الله في إلقاء الرغبة في قلب مَن يطلبها منه، بل ربما كان التكسب واجبًا، كقادر على الكسب يحتاج عياله للنفقة، فمتى ترك ذلك كان عاصيًا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما سبق أن التوكّل الحقَّ الذي هو شعبة من شُعَب الإيمان، حيث أمر الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - به فقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣]، هو توكّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو اعتماد القلب على الله تعالى اعتمادًا كليًّا بحيث لا يلتفت إلى الأسباب، مع التمسّك بها ظاهرًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): قال الكرمانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: [فإن قيل]: إن المتّصف بالأوصاف المذكورة في هذا الحديث أكثر من العدد المذكور، في وجه الحصر وأجاب باحتمال أن يكون المراد به التكثير، لا خصوص العدد.

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: الظاهر أن العدد المذكور على ظاهره، فقد وقع في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وصفهم بأنهم تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر، وفي رواية: "أول زمرة تدخل الجَنَّة على سورة القمر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دُرّيّ في السماء إضاءةً"، ولمسلم من حديث جابر - رضي الله عنه -: