وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: ٥]، ومن هنا وَصَف الله شريعة موسى؛ بأنها ضياء، كما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)} [الأنبياء: ٤٨]، وإن كان قد ذَكَر أن في التوراة نورًا، كما قال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}[المائدة: ٤٤]، لكن الغالب على شريعتهم الضياء؛ لما فيها من الآصار والأغلال والأثقال.
ووَصَفَ شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنها نورٌ؛ لما فيها من الحنيفية السمحة، قال الله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة: ١٥]، وقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)} [الأعراف: ١٥٧].
ولما كان الصبر شاقًّا على النفوس يَحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها، وكفّها عما تهواه، كان ضياءً، فإن معنى الصبر في اللغة الحبس، ومنه قتل الصبر، وهو أن يُحْبَس الرجل حتى يُقْتَل، والصبر المحمود أنواع: منه صبر على طاعة الله عز وجل، ومنه صبر عن معاصي الله عز وجل، ومنه صبر على أقدار الله عز وجل، والصبر على الطاعات، وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمة، صَرَّح بذلك السلف، منهم سعيد بن جبير، وميمون بن مِهْران، وغيرهما، وقد رُوي بإسناد ضعيف من حديث عليّ - رضي الله عنه - مرفوعًا:"إن الصبر على المعصية يُكتب به للعبد ثلاثُمائة درجة، وإن الصبر على الطاعة يُكتب به ستمائة درجة، وإن الصبر عن المعاصي يُكتب له به تسعمائة درجة"، وقد أخرجه ابن أبي الدنيا، وابن جرير الطبريّ (١).
وأفضل أنواع الصبر الصيامُ، فإنه يَجمَع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله عز وجل، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله،
(١) وأورده ابن الجوزيّ في "الموضوعات" ٣/ ١٨٤ وقال: هذا حديث موضوع، والمتّهم فيه عبد الله بن زياد، وهو ابن سمعان، قال مالك، ويحيى: كان كذّابًا، وقال النسائيّ، والدارقطنيّ: متروك الحديث.