للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والقبول مفسّر بترتّب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، يقال: قَبِلَ فلان عذر فلان: إذا رتّب على عذره الغرض المطلوب منه، وهو محو الجناية والذنب، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضّأ" هو عامّ في عدم القبول من جميع الْمُحْدِثين في جميع أنواع الصلاة.

والمراد بالقبول وقوعُ الصلاة مُجزئةً بمطابقتها للأمر، فعلى هذا يلزم من القبول الصحّة في الظاهر والباطن، ومتى ترتّب القبول ثبتت الصحّة، ومتى ثبتت الصحّة ثبت القبول.

ونُقِل عن بعض المتأخّرين أن القبول عبارة عن ترتّب الثواب والدرجات العلى على العبادة، والإجزاءَ عبارة عن مطابقة الأمر، فهما متغايران، أحدهما أخصّ من الآخر، ولا يلزم من نفي الأخصّ نفي الأعمّ، فالقبول على هذا التفسير أخصّ من الصحّة، فكلّ مقبول صحيح، ولا عكس، وهذا إن نفع في نفي القبول مع بقاء الصحّة فيما سَلَف ضرّ في نفي القبول مع نفي الصحّة، كما هو محكيّ عن الأقدمين، إلا أن يقال: دلّ الدليل على كون القبول من لوازم الصحّة، فإن انتفى انتفت، فيصحّ الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحّة، ويُحتاج في نفيه مع بقائها في تلك الأحاديث إلى تأويل، أو تخريج جواب، وَيرُدّ على من فسّر القبول بكون العبادة مثابًا عليها، أو مرضيّةً، مع أن قواعد الشرع تقتضي أن العبادة إذا أتى بها مطابقةً للأمر كانت سببًا للثواب في ظواهر لا تُحصى. انتهى (١).

قال الجامع: قد سبق أن نبّهت أن عدم ثبوت الصحّة مع القبول مما لا دليل عليه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(بِغَيْرِ طُهُورٍ) بضمّ الطاء؛ لأن المراد به فعل الطهارة، وأما بفتحها فهو اسم لما يُتطهّر به من الماء، والتراب، وقيل: بالفتح يُطلق على الفعل والماء، فيجوز هنا الوجهان، وقد تقدّم البحث في هذا مستوفًى في المسألة الخامسة من المسائل المتقدّمة أول "كتاب الطهارة"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

قيل: المعنى: لا تُقبل صلاةٌ بلا طُهُور، وليس المعنى صلاة ملتبسةً


(١) "الأعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١/ ٢١٦ - ٢١٨.