للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استعماله في وضع الماء في الفم، وتحريكه، وأما معناه في الوضوء الشرعيّ، فأكمله أن يضع الماء في الفم، ثم يُديره، ثم يمُجّه، والمشهور عند الشافعيّة أنه لا يُشترط تحريكه، ولا مَجّه، وهو عجيبٌ، ولعلّ المراد أنه لا يتعيّن المجّ، بل لو ابتلعه، أو تركه حتى يسيل أجزأ. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن المضمضة لا تحصل إلا بجعل الماء في الفم، ثم تحريكه؛ لأن هذا هو الذي يقتضيه المعنى اللغويّ لها، وأما المجّ، فليس من معناها، فلا يلزم، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: قُدّمت المضمضة على الاستنشاق؛ لشرف منافع الفم على منافع الأنف؛ فإنه مدخل الطعام والشراب اللذين بهما قوام الحياة، وهو محلّ الأذكار الواجبة والمندوبة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. انتهى (٢).

(وَاسْتَنْثَرَ) قال النوويّ رحمه الله: قال جمهور أهل اللغة، والفقهاء، والمحدثون: الاستنثار: هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، وقال ابن الأعرابيّ، وابن قتيبة: الاستنثار الاستنشاق، والصواب الأوّل، وتدلّ عليه الرواية الأخرى بلفظ: "استنشق، واستنثر"، فجمع بينهما، قال أهل اللغة هو مأخوذ من النَّثْرة، وهي طرف الأنف، وقال الخطابيّ وغيره: هي الأنف، والمشهور الأول، قال الأزهريّ: رَوَى سلمة عن الفراء، أنه يقال: نَثَرَ الرجلُ، وانتَثَرَ، واستنثر: إذا حَرَّك النَّثْرَة في الطهارة، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (٣). وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة السادسة - إن شاء الله تعالى -.

ووقع عند البخاريّ في رواية الكشمهينيّ: "واستنشق"، بدل "واستنثر"، قال في "الفتح": والأول أعمّ، وثبتت الثلاثة في رواية البخاريّ من طريق شُعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ. قال الحافظ رحمه الله: ولم أر في شيء من طُرُق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد، نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس، عن


(١) "الفتح" ١/ ٣٢٠ رقم (١٦٤).
(٢) راجع "الأعلام" ١/ ٣٢٩.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ١٠٥.