للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأجزأ المسح باليد بغير ماء، فكأنه قال: وامسحوا برؤوسكم الماء، فهو على القلب، والتقدير: امسحوا رؤوسكم بالماء. انتهى.

والمسح لغة: إمرار اليد على الشيء، يقال: مسحتُ الشيءَ بالماء مَسْحًا: أمررتُ اليدَ عليه، قال أبو زيد: المسح في كلام العرب يكون مسحًا، وهو إصابة الماء، ويكون غسلًا، يقال: مسحتُ يدي بالماء: إذا غسلتها، وتمسّحتُ بالماء: إذا اغتسلتَ، فالمسح مشتركٌ بين معنيين. انتهى (١).

ثم إن ظاهر الحديث يدلّ على أنه مسح جميع الرأس؛ لأن اسم الرأس حقيقةٌ في العضو كلّه. وسيأتي تحقيق المسألة في المسائل الآتية - إن شاء الله تعالى -.

[تنبيه]: قال في "الفتح": وليس في شيء من طرق الحديث في "الصحيحين" ذكر عدد للمسح، وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعيّ رحمه الله: يستحب التثليث في المسح، كما في الغسل، واستُدِلّ له بظاهر رواية لمسلم: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا".

وأُجيب بأنه مُجْمَل تَبَيَّن في الروايات الصحيحة أن المسح لم يَتَكَرَّر، فَيُحْمَل على الغالب، أو يَختصّ بالمغسول، قال أبو داود رحمه الله في "سننه": أحاديث عثمان الصحاح كلُّها تدل على أن مسح الرأس مرةً واحدةً، وكذا قال ابن المنذر أن الثابت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المسح مرةً واحدةً، وبأن المسح مَبْنِيّ على التخفيف، فلا يقاس على الغسلِ المرادِ منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعْتُبِر في المسح لصار في صورة الغسل؛ إذ حقيقة الغسل جَرَيَان الماء، والدلكُ ليس بِمُشْتَرَط على الصحيح عند أكثر العلماء، وبالغ أبو عبيد، فقال: لا نعلم أحدًا من السلف استَحَبَّ تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيميّ، وفيما قال نظرٌ، فقد نقله ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن أنس، وعطاء، وغيرهما، وقد رَوَى أبو داود من وجهين، صَحّحَ أحدهما ابن خزيمة وغيره، في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال في "الفتح" في هذا الموضع أن هذه


(١) راجع "المصباح" ٢/ ٥٧١.
(٢) "الفتح" ١/ ٣١٢ - ٣١٣.