للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعقّبه العينيّ بأنه جاء في رواية البخاريُّ في "الرقاق": "من توضّأ مثل هذا الوضوء"، وجاء في رواية مسلم أيضًا: "من توضّأ مثل وضوئي هذا"، وكلُّ واحد من لفظ "نحو" و"مثل" من أدوات التشبيه، والتشبيه لا عموم له، سواء قال: "نحو وضوئي هذا"، أو "مثل وضوئي"، فلا يلزم ما ذكره. انتهى (١).

وقال الحافظ في "الفتح" بعد ذكر الروايات التي فيها "مثل": وعلى هذا فالتعبير بـ "نحو" من تصرّف الرواة؛ لأنها تُطلق على المثليّة مجازًا، ولأن "مثل"، وإن كانت تقتضي المساواة ظاهرًا، لكنها تُطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروك بحيث لا يُخلّ بالمقصود. انتهى (٢).

وقال ابن الملقّن: اعلم أن لفظ "نحو" لا يطابق لفظ "مثل"، فإن المثل تقتضي المساواة من كلّ وجه إلا من الوجه الذي يقع به الامتياز بين الحقيقتين بحيث يُخرجهما عن الوحدة، ولفظة "نحو" لا تُعطي ذلك، وإن استُعملت كذلك لغةً، لا اصطلاحًا عرفيًّا، فيكون استعمالها فيها مجازًا، ولهذا فرّق المحدّثون بين "نحو" و"مثل"، فقالوا فيما كان مثل الإسناد، أو المتن من كلّ وجه: "مثله"، كما استعمله مسلم في "صحيحه" في غير موضع، وقالوا: "نحوه" فيما قارب الإسناد أو المتن، حتى استدلّوا على الذين قالوا بالفرق بينهما، وألزموهم بمنعهم الرواية بالمعنى، ولعلّ واصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وراويه عنه بلفظ: "نحو وضوئي هذا" لحظ الفرق بينهما من حيث إن مثليّة وضوئه - صلى الله عليه وسلم - لا تتأتّى لأحد إلا من حيث امتثال الأمر، وحصول الثواب المناسب للمتوضئ على قدر تبعيّته فيه؛ لأنه قد يكون في وضوئه - صلى الله عليه وسلم - أشياء لم يُكلّف بها، فتكون ملغاة بالنسبة إلينا، فيكون ذلك بيانًا للفعل الذي يحصل الثواب الموعود به، وعليه فلا بدّ أن يكون الوضوء المفعول موصوفًا لأجل الغرض المطلوب، فلهذا استعمل "نحو" في حقيقتها العرفيّة مع فوات المقصود، لا بمعنى "مثل"، أو يكون ترك ما عُلِم قطعًا أنه لا يُخلّ بالمقصود، مع أن لفظة "مثل" ثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - في رواية البخاريّ وغيره، وهذه الرواية لم


(١) "عمدة القاري" ٣/ ١٠.
(٢) "الفتح" ١/ ٣١٣.