للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَطَّلِع عليها ابن دقيق العيد، بل قال: يمكن أن يقال: إن الثواب يترتّب على مقاربة ذلك الفعل؛ تسهيلًا وتوسيعًا على المخاطبين من غير تضييق وتقييد بما ذكرناه، إلا أن الأول أقرب إلى مقصود البيان. انتهى.

وقال الفاكهيّ: لا بدّ من ذلك؛ لتعذّر الإتيان بمثل وضوئه - صلى الله عليه وسلم -، وذلك ما تقتضيه الشريعة السمحة، من التوسعة، وعدم التضييق على المكلّف. انتهى كلام ابن الملقّن باختصار، وبعض تصرّف (١).

(ثمَّ قَامَ، فَرَكَعَ) أي صلّى، فهو من إطلاق الجزء على الكلّ، من باب المجاز المرسل (رَكْعَتَيْنِ) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء، ولا خلاف في استحبابهما (لَا) نافية، ولذا رُفع قوله: (يُحَدِّثُ) بالبناء للفاعل (فِيهِمَا نَفْسَهُ) منصوب على المفعوليّة، وجملة "لا يُحدّث إلخ" في محلّ نصب صفة لـ"ركعتين"، والمراد به أن لا يُحدّثها بشيء من أمور الدنيا، لما في بعض الروايات: "لا يُحدّث نفسه بشيء من الدنيا" (٢).

قال النوويّ رحمه الله: المراد أنه لا يُحَدِّث بشيء من أمور الدنيا، وما لا يتعلق بالصلاة، ولو عَرَض له حديثٌ، فأعرض عنه بمجرد عروضه عُفِيَ عن ذلك، وحصلت له هذه الفضيلة - إن شاء الله تعالى - لأن هذا ليس من فعله، وقد عُفِي لهذه الأمة عن الخواطر التي تَعْرِض ولا تستقرّ. وقد تقدم بيان هذه القاعدة في "كتاب الإيمان"، والله تعالى أعلم.

وقد قال معنى ما ذكرته المازريّ، وتابعه عليه القاضي عياض، فقال: يريد بحديث النفس الحديث الْمُجتَلَب والْمُكْتَسَب، وأما ما يقع في الخواطر غالبًا، فليس هو المراد. قال: وقوله: "يُحَدِّث نفسه" فيه إشارة إلى أن ذلك الحديث مما يُكْتَسب؛ لإضافته إليه، قال القاضي عياض: وقال بعضهم: هذا الذي يكون بغير قصد يُرجَى أن تُقْبَل معه الصلاة، ويكون دون صلاة مَن لم يُحَدِّث نفسه بشيء لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما ضَمِنَ الغفران لمراعي ذلك؛ لأنه قَلَّ مَن تسلم صلاته من حديث النفس، وإنما حصلت له هذه المرتبة؛ لمجاهدة نفسه


(١) "الأعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١/ ٣٤٦ - ٣٤٨.
(٢) ذكره في "الفتح"، وعزاه للترمذيّ الحكيم، راجع "الفتح" ١/ ٣١٣.