للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من خطرات الشيطان، ونفيها عنه، ومحافظته عليها، حتى لم يشتغل عنها طرفة عين، وسَلِمَ من الشيطان باجتهاده، وتفريغه قلبه. انتهى كلام القاضي (١). قال النوويّ: والصواب ما قدمته، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: قوله: "لا يحدث فيهما نفسه" إشارة إلى الخواطر والوساوس الواردة على النفس، وهي على قسمين:

[أحدهما]: ما يَهْخمُ هَجْمًا يَتَعَذّر دفعه عن النفس.

[الثاني]: ما تسترسل معه النفس، ويُمكن قطعه ودفعه، فيُمكن أن يُحْمَلَ هذا الحديث على هذا النوع الثاني، فيَخرُج عنه النوع الأول؛ لعسر اعتباره، ويشهد لذلك لفظة "يُحدّث نفسه"، فإنه يقتضي تكسُّبًا منه، وتفعُّلًا لهذا الحديث، ويمكن أن يُحمَل على النوعين معًا، إلا أن العسر إنما يجب دفعه عما يتعلّق بالتكاليف، والحديث إنما يقتضي ترتّب ثواب مخصوص على عمل مخصوص، فمن حصل له ذلك العمل، حصل له ذلك الثواب، ومن لا فلا، وليس ذلك من باب التكاليف حتى يلزم دفع العسر عنه.

نعم لا بدّ وأن تكون تلك الحالة ممكنة الحصول - أعني الوصف المرتّب عليه الثواب المخصوص - والأمر كذلك، فإن المتجرّدين عن شواغل الدنيا الذين غلب ذكرُ الله عز وجل على قلوبهم، وغَمَرَها تحصُل لهم تلك الحالة، وقد حُكي عن بعضهم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: حمله على النوع الثاني، وهو ما تسترسل النفس معه، ويمكن دفعه هو الأظهر؛ لما يدلّ ظاهر لفظ "يُحدّث" من التكسّب، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - حثّ أمته جميعًا، على هذا الوضوء بالكيفيّة المذكورة، والصلاة بعده، ورغّبهم في الثواب المذكور، فالظاهر إمكانه، وحصوله لمعظم الناس، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": المراد به ما تسترسل النفس معه، ويمكن المرء قطعه؛ لأن قوله: "يُحَدِّث" يقتضي تكسُّبًا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفوّ عنه، ونقل القاضي عياض رحمه الله عن بعضهم أن


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ١٩.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٠٩.