المراد: من لم يحصل له حديث النفس أصلًا ورأسًا، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في "الزهد"، بلفظ:"لم يُسِرّ فيهما".
وردّ النوويّ رحمه الله، فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة. نعم، مَن اتَّفَقَ أن يحصل له عدم حديث النفس أصلًا أعلى درجةً بلا ريب.
ثم إن تلك الخواطر، منها: ما يتعلق بالدنيا، والمراد دفعه مطلقًا، ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث:"لا يُحَدِّث نفسه بشيء من الدنيا"، وهي في "الزهد" لابن المبارك أيضًا، و"المصنف" لابن أبي شيبة.
ومنها ما يتعلق بالآخرة، فإن كان أجنبيًا أشبهَ أحوال الدنيا، وإن كان من متعلِّقات تلك الصلاة فلا. انتهى (١). وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة الثالثة - إن شاء الله تعالى -.
(غُفِرَ لَهُ) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله قوله:(مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) والجملة خبر "من" في قوله: "من توضّأ"، و"الذنب": الإثم، فإن تُوعّد عليه كان كبيرةً، وإلا فهو صغيرة.
[تنبيه]: قوله: "غُفِرَ لَهُ. . إلخ" ظاهره يعمّ غفران الصغائر والكبائر، لكن العلماء خصّوه بالصغائر؛ لوروده مقيّدًا في نصوص أخرى، فسيأتي للمصنّف رحمه الله في الباب التالي حديث عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيُحسن وضوءها، وخُشُوعها، وركوعها إلا كانت كفّارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كلّه". فهذا صريح في الذنوب الصغائر، وحديث الباب مطلقٌ، فيُحمل المطلق على المقيّد.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعمة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهنّ، ما اجتُنِبت الكبائر".
قال في "الفتح": هو في حقّ من له كبائر وصغائر، ومن ليس له إلا الصغائر كُفّرت عنه، ومن ليس له إلا الكبائر خُفّف عنه منها بقدر ما لصاحب