للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)} [الأنفال: ٤٥]، ومعلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد لا تكون كطمأنينته حال الأمن، فإذا قُدِّر أنه نقص من الصلاة شيء لأجل الجهاد لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد وطاعته، ولهذا تُخفَّف صلاة الخوف عن صلاة الأمن، ولَمّا ذَكَرَ عز جل صلاة الخوف قال: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]، فالإقامة المأمور بها حال الطمأنينة لا يؤمر بها حال الخوف، ومع هذا فالناس متفاوتون في ذلك، فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة مع تدبّره للأمور بها، وعُمر - رضي الله عنه - قد ضرب الله الحقّ على لسانه وقلبه. . . إلى أن قال: ولا ريب أن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال أمنه كانت أكمل من صلاته حال الخوف في الأفعال الظاهرة، فإذا كان الله قد عفا حال الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة، فكيف بالباطنة؟. وبالجملة فتفكّر المصلّي في الصلاة في أمر يجب عليه قد يَضِيق وقته، ليس كتفكّره فيما ليس بواجب، أو فيما لم يضق وقته، وقد يكون عمر - رضي الله عنه - لم يُمكنه التفكّر في تدبير الجيش إلا في تلك الحال، وهو إمام الأمة، والواردات عليه كثيرة، ومثل هذا يَعْرِض لكلّ أحد بحسب مرتبته، والإنسان دائمًا يذكر في الصلاة ما لم يذكره خارج الصلاة، ومن ذلك ما يكون من الشيطان، كما يُذكر أن بعض السلف ذَكَر له رجلٌ أنه دَفَنَ مالًا، وقد نسي موضعه، فقال: قم فصلّ، فقام فصلّى، فذكره، فقيل له: من أين علمت ذلك؟، قال: علمتُ أن الشيطان لا يَدَعه في الصلاة حتى يُذَكِّره بما يَشْغَله، ولا أهمّ عنده من ذكر موضع الدفن، لكن العبد الكيِّس يجتهد في كمال الحضور، مع كمال فعل بقيّة المأمور، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله (١)، وهو توجيه حسنٌ لأثر عمر - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى أعلم.

[تنبيه آخر]: اختلف الفقهاء والزهّاد في قبول الصلاة مع استرسال الخواطر الشّاغلة عن حضور القلب فيها، فقال الفقهاء إلى قبولها، ومال الزهّاد إلى عدم قبولها. قال العلّامة ابن الملقّن رحمه الله: والأولى بنا، والأقوى في أدلّتنا


(١) "مجموع الفتاوى" ٢٢/ ٦٠٩.