للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه إن كان الخاطر عَرَضًا عَرَضَ، فأعرض عنه، فالمسألة كما قال الفقهاء، وإن كان سببه التعلّق بفضول الدنيا الذي يُستغنى عنه، فالمسألة كما قال الزهّاد؛ لأن ذلك العارض من سببه، وواقع باختياره وكسبه. انتهى.

ولشيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تحقيقٌ حسنٌ في المسألة، فقد سئل عن وسواس الرجل في صلاته، وما حَدُّ المبطل؟ وما حَدُّ المكروه منه؟ وهل يباح منه شيء في الصلاة؟ وهل يُعذّب الرجل في شيء منه؟ وما حدّ الإخلاص في الصلاة؟ وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لأحدكم من صلاته إلا ما عَقَلَ منها؟ ".

فأجاب: الحمد لله. الوسواس نوعان:

[أحدهما]: لا يمنع ما يُؤمر به من تدبّر الكلم الطيّب، والعمل الصالح الذي في الصلاة، بل يكون بمنزلة الخواطر، فهذا لا يُبطل الصلاة، لكن من سلمت صلاته منه، فهو أفضل ممن لم تسلم منه صلاته، الأول شبه حال المقرَّبين، والثاني شبه حال المقتصدين.

وأما الثالث: فهو ما منع الفهم، وشهود القلب، بحيث يصير الرجل غافلًا، فهذا لا ريب أنه يمنع الثواب، كما روى أبو داود في سننه، عن عمّار بن ياسر - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرجل لينصرف من صلاته، ولم يُكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها"، حتى قال: "إلا عشرها"، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه قد لا يُكتب له منها إلا العشر، وقال ابن عبّاس - رضي الله عنه -: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلتَ منها. ولكن هل يُبطل الصلاة، ويوجب الإعادة؟ فيه تفصيلٌ، فإنه إن كانت الغفلة في الصلاة أقلّ من الحضور، والغالب الحضور، لم تجب الإعادة، وإن كان الثواب ناقصًا، فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يُبطل الصلاة، وإنما يُجبر بعضه بسجدتي السهو، وأما إن غلبت الغفلة على الحضور، ففيه للعلماء قولان:

[أحدهما]: لا تصحّ الصلاة في الباطن، وإن صحّت في الظاهر، كَحَقْن الدم؛ لأن مقصود الصلاة لم يَحصُل، فهو شبيه صلاة المرائي، فإنه بالاتّفاق لا يَبرأ بها في الباطن، وهذا قول أبي عبد الله ابن حامد، وأبي حامد الغزاليّ، وغيرهما.

[والثاني]: تبرأ الذمّة، فلا تجب عليه الإعادة، وإن كان لا أجر له فيها،