ولا ثواب، بمنزلة صوم الذي لم يَدَعْ قول الزور، والعمل به، فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وهذا هو المأثور عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة، واستدلّوا بما في "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"إذا نودي بالصّلاة أدبر الشيطان، وله ضُرَاطٌ، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قُضي التأذين أقبل، فإذا ثُوِّب بالصلاة أدبر، فإذا قُضي التثويب أقبل، حتى يَخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكُر كذا، اذكُر كذا ما لم يكن يذكر، حتى يَظَلَّ لا يدري كم صلّى، فإذا وَجَدَ أحدكم ذلك، فليسجُد سجدتين"، فقد أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الشيطان يَذكِّره بأمور حتى لا يدري كم صلّى، وأمره بسجدتين للسهو، ولم يأمره بالإعادة، ولم يُفرِّق بين القليل والكثير. وهذا القول أشبه وأعدل، فإن النصوص والآثار إنما دلَّت على أن الأجر والثواب مشروط بالحضور، ولا تدلّ على وجوب الإعادة، لا باطنًا، ولا ظاهرًا، والله أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في عدد غَسَلات أعضاء الوضوء:
قال النوويّ رحمه الله: قد أجمع المسلمون على أن الواجب في غَسْل الأعضاء مرةً مرةً، وعلى أن الثلاث سنة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرةً مرةً، وثلاثًا ثلاثًا، وبعض الأعضاء ثلاثًا، وبعضها مرتين، وبعضها مرةً.
قال العلماء: فاختلافها دليلٌ على جواز ذلك كلّه، وأن الثلاث هي الكمال، والواحدة تجزئ، فعلى هذا يُحْمَل اختلاف الأحاديث.
وأما اختلاف الرواة فيه عن الصحابيّ الواحد في القصة الواحدة، فذلك محمول على أن بعضهم حَفِظَ، وبعضهم نَسِي، فيؤخذ بما زاد الثقة كما تقرّر من قبول زيادة الثقة الضابط.
واختَلَف العلماء في مسح الرأس، فذهب الشافعيّ في طائفة إلى أنه يُسْتَحبّ فيه المسح ثلاث مرات، كما في باقي الأعضاء، وذهب أبو حنيفة،