للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومالك، وأحمد، والأكثرون إلى أن السنة مرةً واحدةً، ولا يزاد عليها، والأحاديث الصحيحة فيها المسح مرةً واحدةً، وفي بعضها الاقتصار على قوله: "مَسَحَ"، واحتجَّ الشافعيُّ بحديث عثمان - رضي الله عنه - الآتي في "صحيح مسلم": "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا"، وبما رواه أبو داود في "سننه" أنه - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ رأسه ثلاثًا، وبالقياس على باقي الأعضاء، وأجاب عن أحاديث المسح مرةً واحدةً بأن ذلك لبيان الجواز، وواظب - صلى الله عليه وسلم - على الأفضل. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن أن فرض الوضوء مرّةً مرّةً، وما زاد على ذلك للاستحباب؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - توضّأ مرّةً مرّةً، ومرّتين مرّتين، وثلاثًا ثلاثًا، ولم يزد على ذلك، وهذا مجمع عليه، وما حكي عن بعضهم من أنه قال: لا يجوز النقص من الثلاث فمخالف للإجماع (٢)، وأما مسح الرأس، فالراجح فيه قول الجمهور أنه مرّةً واحدةً، ولا يُستحبّ فيه التثليث؛ لأن الأحاديث الصحيحة صريحة في كونه - صلى الله عليه وسلم - مسح مرّة. وسيأتي تمام القول فيه قريبًا - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في غسل الكفين في ابتداء الوضوء:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: أجمع كلُّ مَن نَحفظ عنه من أهل العلم على أن غسل اليدين في ابتداء الوضوء سنة، يُستحبُّ استعمالها، وهو بالخيار إن شاء غسلهما مرةً، وإن شاء غسلهما مرتين، وإن شاء ثلاثًا، أيَّ ذلك شاء فَعَلَ، وغَسلُهما ثلاثًا أحبّ إليّ، وإن لم يَفعَل ذلك، فأدخل يده الإناء قبل أن يغسلهما فلا شيء عليه، ساهيًا ترك ذلك أم عامدًا، إذا كانتا نظيفتين، فإن أدخل يده الإناء، وفي يده نجاسة، ولم يغير للماء طَعْمًا، ولا لونًا، ولا ريحًا، فالماء طاهر بحاله، والوضوء به جائز. انتهى كلامه رحمه الله (٣)، وهو تحقيقٌ حسنٌ. وسيأتي مزيد التحقيق في ذلك في شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يَغْمِس يده في الإناء، حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يَدري أين باتت يده" (٤) - إن


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ١٠٦.
(٢) راجع "الفتح" ١/ ٢٨٢.
(٣) "الأوسط" ١/ ٣٧٥.
(٤) سيأتي برقم (٢٧٨).