شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في كيفيّة المضمضة، والاستنشاق:
قال النوويّ رحمه الله: تُستحب المبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائمًا، فيكره ذلك؛ لحديث لقيط - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له:"وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"، وهو حديث صحيحٌ، رواه أبو داود، والترمذيّ، وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، قال الترمذيّ: هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قال: وعلى أيّ صفة وصل الماء إلى الفم والأنف حَصَلت المضمضة والاستنشاق، وفي الأفضل خمسة أوجه:
[الأول]: يتمضمض، ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة، ثم يستنشق منها.
[والوجه الثاني]: يَجمع بينهما بغرفة واحدة، يتمضمض منها ثلاثًا، ثم يستنشق منها ثلاثًا.
[والوجه الثالث]: يجمع أيضًا بغرفة، ولكن يتمضمض منها، ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها، ثم يستنشق، ثم يتمضمض منها، ثم يستنشق.
[والرابع]: يفصل بينهما بغَرْفتين، فيتمضمض من إحداهما ثلاثًا، ثم يستنشق من الأخرى ثلاثًا.
والصحيح الوجه الأول، وبه جاءت الأحاديث الصحيحة، في البخاريّ، ومسلم، وغيرهما.
وأما حديث الفصل فضعيف، فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات، كما ذكرنا؛ لحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - المذكور في الكتاب.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث الفصل هو ما أخرجه أبو داود في "سننه" عن طلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عن جدّه، قال: دخلت - يعني على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق.