قال: واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مُقَدَّمة على الاستنشاق، وعلى كلّ صفة، وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط؟ فيه وجهان: أظهرهما اشتراط؛ لاختلاف العضوين، والثاني استحباب، كتقديم يده اليمنى على اليسرى، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم المضمضة، والاستنشاق:
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: افترق أهل العلم فيما يجب على تارك المضمضة والاستنشاق في الجنابة والوضوء أربع فِرَقٍ:
فقالت طائفة: إذا تركهما في الوضوء يُعيدهما، هكذا قال عطاء، وحماد، وابن أبي ليلى، والزهريّ، وإسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة: لا إعادة عليه، هكذا قال الحسن البصريّ، وإلى هذا القول رجع عطاء بن أبي رباح، وكذلك قال الحكم، وقتادة، والزهريّ، وربيعة، ويحيى الأنصاريّ، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، والأوزاعيّ، والشافعيّ.
وقالت فرقة: يعيد إذا ترك الاستنشاق خاصةً، وليس على من ترك المضمضة شيءٌ، هذا قول أحمد بن حنبل، وأبي عبيد، وأبي ثور.
وقالت فرقة رابعة: يجب عليه الإعادة إذا تركهما في الجنابة، وليس على من تركهما في الوضوء شيءٌ، رُوي هذا القول عن الحسن، وبه قال سفيان الثوريّ، وأصحاب الرأي، وقال أصحاب الرأي: هما سواء في القياس، غير أَنّا نَدَعُ القياس للأثر الذي جاء عن ابن عباس. قال أبو بكر: والحديث عن ابن عباس في هذا غير ثابت (١).
(١) أي لأنه من رواية عائشة بنت عجرد، عن ابن عبّاس. قال الدارقطنيّ: ليس لعائشة بنت عجرد إلا هذا الحديث، وهي لا تقوم بها حجة، انظر "سننه" ١/ ١١٥، وفي سنده أيضًا الحجاج بن أرطاة ضعيف.