للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن المنذر رحمه الله: والذي به نقول إيجاب الاستنشاق خاصةً، دون المضمضة؛ لثبوت الأخبار عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالاستنشاق، ولا نعلم في شيء من الأخبار أنه أمر بالمضمضة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماءً، ثم لْيَنْثُر"، وأمْره على الفرض، وأحقُّ الناس بهذا القول أصحابنا؛ لأنهم يرون الأمر فرضًا.

واعتَلَّ الشافعيّ في وقوفه عن إيجاب الاستنشاق أنه ذَكَر بأنه لم يعلم خلافًا في أن لا إعادة على تاركهما، ولو عَلِمَ في ذلك اختلافًا المرجع إلى أصوله أن الأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفرض، ألا تراه إنما اعْتَلّ في تخلفه عن إيجاب السواك بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر به، قال الشافعيّ: فلو كان السواك واجبًا أمرهم به، شَقَّ عليهم، أو لم يشقّ. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: ولا نعلم في شيء من الأخبار أنه أمر بالمضمضة"، هذا حسب علمه، وأما الواقع فخلاف ذلك، فقد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالمضمضة، فقد ثبت ذلك في حديث لقيط بن صَبِرَة - رضي الله عنه -، الطويل، وفيه: "فبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا وفي رواية من هذا الحديث: "إذا توضّأت فمضمض"، أخرجهما أبو داود، وغيره.

قال الحافظ رحمه الله في "الفتح": إسناده صحيح، وقد ردّ في "التلخيص الحبير" ما أُعلّ به حديث لقيط المذكور من أنه لم يروه عن عاصم بن لقيط بن صَبِرة إلا إسماعيل بن كثير، وقال: ليس بشيء؛ لأنه رُوي عنه، وعن غيره، وصحّحه الترمذيّ، والبغويّ، وابن القطّان، وقال النوويّ: هو حديث صحيح، رواه أبو داود، والترمذيّ، وغيرهما بالأسانيد الصحيحة. انتهى (١).

والحاصل أن المذهب الصحيح مذهب من قال بوجوب المضمضمة، والاستنشاق، والاستنثار، في الوضوء والغسل جميعًا؛ لورود الأمر بكلّ ذلك، كما في حديث لقيط بن صبرة في المضمضة والاستنشاق، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً، ثم لينتثر"، متّفقٌ عليه، وأخرج الترمذيّ، والنسائيّ عن سلمة بن قيس - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إذا


(١) راجع: شرحي على النسائيّ ٢/ ٣٨٠ - ٣٨١.