{وَأَرْجُلِكُمْ} بالخفض، وَيرَى الغسل أنس بن مالك، وروينا عن ابن عمر أنه قال: نزل جبريل بالمسح، وسَنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غسل القدمين، وقال الشعبيّ: نزل القرآن بالمسح، والسنة الغسل.
وقد زعم بعض أهل العلم أن ليس في قراءة من قرأ {وَأَرْجُلِكُمْ} على الخفض ما يوجب المسح دون الغسل؛ لأن العرب ربما نَسَقَت الحرف على طريقة المجاور له، قال الأعشى [من الطويل]:
قال: فخَفْضُ الثواءِ لمجاورته الحول، وهو في موضع رفع، قال: ولغةٌ معروفة لتميم قولهم: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، قال: والخرب صفة للجُحْر، فخفضوه لمجاورته الضب.
قال ابن المنذر رحمه الله: وغَسْلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجليه، وقولُهُ:"ويلٌ للأعقاب من النار" كفايةٌ لمن وفقه الله للصواب، ودليلٌ على أن الذي يجب غسل القدمين، لا المسح عليهما؛ لأنه الْمُبَيِّنُ عن الله تعالى معنى ما أراد مما فَرَضَ في كتابه. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وقال ابن رُشد رحمه الله: اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضوء، واختلفوا في نوع طهارتهما، فقال قوم: طهارتهما الغسل، وهم الجمهور، وقال قوم: فرضهما المسح، وقال قوم: بل طهارتهما تجوز بالنوعين: الغسل والمسح، وإن ذلك راجع إلى اختيار المكلف.
وسبب اختلافهم القراءتان المشهورتان في آية الوضوء، أعني قراءة من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب عطفًا على المغسول، وقراءة من قرأ {وَأَرْجُلِكُمْ} بالخفض عطفًا على الممسوح، وذلك أن قراءة النصب ظاهرة في الغسل، وقراءة الخفض ظاهرة في المسح، كظهور تلك في الغسل، فمن ذهب إلى أن فرضهما واحد من هاتين الطهارتين على التعيين، إما الغسل، وإما المسح، ذهب إلى ترجيح ظاهر إحدى القراءتين على القراءة الثانية، وصَرَفَ بالتأويل