للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحافظ في "التلخيص الحبير": والظاهر أن مجموع الأحاديث يَحدُث منها قوّة، تدلّ على أن له أصلًا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبتٌ لنا أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قاله، وقال البزّار: لكنه مؤوّلٌ، ومعناه أنه لا فضل لوضوء من لم يذكر اسم الله، لا على أنه لا يجوز وضوء من لم يسمّ. انتهى.

واستدلّ البيهقيّ رحمه الله على عدم وجوب التسمية بحديث رفاعة بن رافع - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "لا تتمّ صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء، كما أمر الله، فيغسل وجهه … " الحديث (١)، قال البيهقيّ: فهذا الحديث ليس فيه ذكر التسمية، فلو كان واجبًا لبيّنه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.

والحاصل أن أحاديث التسمية على فرض صحّتها محمولة على الاستحباب بدليل هذا الحديث، ولا يرد عليه القول بوجوب المضمضة، والاستنشاق، والاستنثار؛ لأنها داخلة في غسل الوجه، وقد أشبعت الكلام في هذا الموضوع في شرح النسائيّ، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة عشرة): في اختلاف أهل العلم في حكم تخليل اللحية:

ذهب مالك إلى أنه ليس بواجب، وبه قال أبو حنيفة، والشافعيّ في الوضوء، وأوجبه ابن عبد الحكم من أصحاب مالك.

قال ابن رُشد رحمه الله: سبب اختلافهم في ذلك اختلافهم في صحة الآثار التي ورد فيها الأمر بتخليل اللحية، والأكثر على أنها غير صحيحة، مع أن الآثار الصحاح التي ورد فيها صفة وضوئه - صلى الله عليه وسلم - ليس في شيء منها التخليل. انتهى كلام ابن رُشد رحمه الله (٢).

وقال الإمام ابن المنذر رحمه الله: اختلف أهل العلم في تخليل اللحية، وغسل باطنها، فرُوي عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغيرهم أنهم كانوا يُخَلِّلون لحاهم، فممن رُوي ذلك عنه عليّ بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن بن عليّ، وابن عمر، وأنس، وهو قول عبد الرحمن بن أبي ليلى،


(١) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" (٨٥٦).
(٢) "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد" ١/ ١١.