وضوئه، وإن تطاول ذلك وتباعد، فأرى أن يعيد الوضوء من أوله.
وقال أحمد: إذا جَفّ وضوؤه يعيدُ، وذكر حديث عمر.
وأجازت طائفة تفريق الوضوء والغسل. ثبتٌ أن ابن عمر توضأ بالسوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ثم دُعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها.
وكان عطاء لا يرى بتفريق الوضوء بأسًا، وأباح ذلك النخعيّ في الغسل، وكان الحسن، والنخعيّ لا يريان بأسًا للجنب أن يغسل رأسه، ثم يوخر غسل جسده بعد ذلك، ورُوي معنى ذلك عن سعيد بن المسيب، وطاوس، وهذا على مذهب الثوريّ، وممن رأى ذلك جائزًا الشافعيّ، وأصحاب الرأي.
قال ابن المنذر: وكذلك نقول؛ لأن الله جل ذكره أوجب في كتابه غسل أعضاء، فمن أَتى بغسلها، فقد أتى بالذي عليه، فَرّقها، أو أتى بها نَسَقًا متتابعًا، وليس على من جعل حدَّ ذلك الجفوف حجة، وذلك يختلف في الشتاء والصيف. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله، وهو تحقيقٌ حسنٌ.
وحاصله أنه يجوز التفريق بين أعضاء الوضوء في الغسل؛ إذ ليس لإيجابه حجة، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العشرون): في اختلافهم في وجوب الترتيب في غسل الأعضاء:
قال ابن المنذر رحمه الله: اختَلَف أهل العلم في رجل توضأ فبدأ، فغسل يديه أو رجليه قبل وجهه، أو قدَّم عضوًا على عضو، فقالت طائفة: وضوؤه تامّ، وروينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء.
وممن رأى تقديم الأعضاء بعضها على بعض جائزًا عطاء بن أبي رباح، والحسن البصريّ، وسعيد بن المسيب، وقد رَوَينا في هذا الباب عن علي بن أبي طالب، وعطاء، والنخعيّ، والحسن، ومكحول، والزهريّ، والأوزاعيّ فيمن نَسِي مسحَ رأسه، فوجد في لحيته بللًا، قالوا: يمسح رأسه، ويستقبل الصلاة، ولم يأمروه بإعادة غسل الرجلين، وفي قول الثوريّ، وأصحاب الرأي